شئت الإشارة إلى كيفية اعتباره عقلا ، فاعلم أن موضوعه إنما هو التحير ، وغايته رفعه ، فيكون اعتباره على الوجه الرابع ، كاعتبار أصالة البراءة من باب التعبد ، بل ومن باب العقل أيضا.
نعم التخيير في الخبرين المتعارضين شرعي ، والظاهر أن اعتباره ـ أيضا ـ على الوجه الرابع ، فتكون أدلة التراجيح واردة عليها (١) مطلقا (٢) ، فيكون حاله بالنسبة إلى تلك الأدلة حال القرعة في الموضوعات بالنسبة إلى الأمارات من حيث وجه الاعتبار وكونه مورودا عليه (٣).
وأما أصالة الاحتياط فالظاهر أنها ـ أيضا ـ كأصالة البراءة ـ سواء كان مدركها الأخبار أو العقل ـ فإن مدركها (٤) مطلقا إنما هو عدم الحجة للمكلف في ترك الموافقة القطعية.
وبالجملة : فعل ما استظهرنا فأدلة اعتبار الطرق والأمارات حاكمة على الاستصحاب ، وواردة على أصالة البراءة والاحتياط ، ووجهه قد علم مما سبق ، فلا نطيل الكلام بإعادته.
لا يقال : إنه لو كان أدلة اعتبار تلك الأصول قطعية الصدور فتكون (٥) أدلة اعتبار الطرق والأمارات مفسرة لها ورافعة لحكمها عن صورة قيام دليل أو أمارة غير علميين.
وأما إذا كانت تلك الأدلة أيضا ـ كنفس الأدلة الاجتهادية ـ ظنية فلا ،
__________________
(١) الظاهر أن مرجع الضمير في ( عليها ) إلى أدلة التخيير الشرعي ، وهو مفهوم من السياق.
(٢) سواء كانت قطعية أو ظنية. لمحرره عفا الله عنه.
(٣) مرجع الضمير في ( عليه ) ـ وكذا في ( حاله ) ـ إلى التخيير ، والمراد أدلته.
(٤) كذا في الأصل ، لكن الظاهر أن عدم الحجة المذكور أعلاه هو موضوع أصالتي البراءة والاحتياط أو جزء موضوعهما ، لأن عدم الحجة يعني الشك في التكليف.
(٥) كذا في الأصل ، والصحيح : لكانت.