وتقريب الاستدلال بأخبار التوقف على أولهما أنها آمرة بالتوقف في مورد الشبهة ، وكل من التوقف والشبهة عام ، فإن التوقف عبارة عن السكون وعدم المضي ، والشبهة عبارة عن اشتباه الواقع ، فكل منهما يعم المقام ، فان عدم المضي معنى واحد في مقام الفتوى والعمل ، والاختلاف إنما هو في مصاديقه ، حيث أن مصداقه في مقام الفتوى تركه ، وفي مقام العمل ترك العمل المخالف للاحتياط ، وكذلك الاشتباه معنى واحد في جميع الموارد ، والاختلاف إنما هو في مصاديقه ، حيث أنه في الشبهات الحكمية مسبب عن فقد النص ، أو إجماله ، أو عن تعارضه ـ كما هو المفروض في المقام ـ وفي الشبهات الموضوعية مسبب عن اختلاط الأمور الخارجية مع تبين حكم العنوان الكلي ، فتدل تلك الأخبار بإطلاقها على وجوب التوقف في مقام الفتوى في الشبهة الحكمية الناشئة عن تعارض النصين المبحوث عنها في المقام.
وأما تقريب الاستدلال بها على الثانية ، أنه إذا ثبت بمقتضاها وجوب التوقف من حيث الفتوى فثبت وجوبه من حيث العمل أيضا ـ لاستلزام الأول للثاني ، كما ادعاه المصنف (قدس سره).
ووجهه : أن وجوب التوقف من حيث الفتوى على تقدير ثبوته ثابت مطلقا شامل للإفتاء بالحكم الظاهري ، ووجوب التوقف من حيث الحكم الظاهري يستلزم وجوبه من حيث العمل.
لكن الإنصاف : أن الاستلزام غير بين ، بل يمكن منعه لانتقاضه بالشبهات الحكمية التي يرجع فيها إلى أصالة البراءة العقلية ، إذ من المعلوم أن معنى الرجوع أنه يقبح المؤاخذة عقلا على التكليف من غير بيان وحجة ، فلا مؤاخذة على ارتكاب محتمل الحرمة أو ترك محتمل الوجوب مع فرض عدم قيام الحجة عليهما ، فيكون الحاصل نفي العقاب بمقتضى حكم العقل وترك الاحتياط في مقام العمل لذلك ، ومن المعلوم أن نفي العقاب كذلك ليس إفتاء