ثم إن المصنف (قدس سره) ذكر الوجوه الثلاثة في المتعارضين على سبيل الإطلاق المقتضي لجريان كل منهما على القول به في جميع موارد الأصل الأولي ، وهو التساقط ، وظاهر جعله كلا منها مقابلا للأصل السابق ـ أيضا ـ يقتضي ذلك.
لكنه لا يستقم بالنسبة إلى الوجهين الأخيرين المشار إليهما بقوله ( أو العمل بما طابق منهما الاحتياط أو بالاحتياط ولو كان مخالفا لهما ) (١) ضرورة أن الأصل المذكور المفروغ عنه يعم جميع موارد تعارض الخبرين حتى ما لا يكون موردا للاحتياط ، بمعنى عدم كون أحدهما موافقا له كما إذا كان مؤدى أحدهما الوجوب ، ومؤدى الآخر الحرمة ، فلا يعقل حينئذ القول بالأخذ بما طابق منهما الاحتياط أو بنفس الاحتياط ولو كان مخالفا لهما ، فكان عليه (قدس سره) أن يقول : ( أو العمل بما طابق منهما الاحتياط إن كان أحدهما موافقا له وإلا فالتخيير ، أو بالاحتياط ولو كان مخالفا لهما مع إمكانه ، وإلا فالتخيير ) فحينئذ يجري كل من الوجهين في جميع موارد الأصل المذكور ، وكأنه (قدس سره) اعتمد في إفادة ذلك الّذي ذكرنا على وضوحه ، فلذا اقتصر في التعبير عنه بما ذكر.
ثم إن قوله : ( أو بالاحتياط ولو كان مخالفا لهما ) بعد تقييده بما ذكرنا أيضا بظاهره لا يستقيم ، فإن ظاهر قوله ولو كان مخالفا لهما هو الأخذ بما خالف كليهما جميعا.
ومن المعلوم أن عد ذلك وجها من وجوه المسألة بعد البناء على كون أحد الخبرين المتعارضين حجة لا محالة تناقض ظاهر ، فإن لازم كون أحدهما حجة نفي الاحتمال الثالث ، فمع التزامه لا يمكن المصير إلى وجوب الاحتياط المخالف لهما ، نعم يجوز ذلك.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٦٢.