فلا بدّ أن يكون كلّ منهما في نفسه واجبا ، بحيث لا مانع من التكليف به فعلا والمؤاخذة عليه إلا مزاحمة الآخر له ، لعجز المكلف من الجمع بينهما ، ومن المعلوم أن الفرد الّذي يضعف فيه تحقق الطبيعة لا وجوب له في نفسه أصلا ، وإنما يختص الفرد الآخر بالوجوب ، فأين التزاحم بين الواجبين.
وأما منشأها في القسم الثاني فلا ينحصر في ذلك ، بل قد يكون هو عظم أحد الواجبين في نظر الشارع بالإضافة إلى الآخر ، من غير اتحاده مع عنوان آخر ـ أيضا ـ بل قد يكون أهم من الآخر في صورة اتحاد الآخر مع عنوان واجب آخر ـ أيضا ـ كما في حفظ بيضة الإسلام بالإضافة إلى غيره من الواجبات ، وبعده حفظ النّفس المحترمة بالإضافة إلى غير الأول ، وكما في حقوق الناس الصرفة بالإضافة إلى حقوق الله تعالى كذلك.
وتظهر الثمرة بين الأهمية الناشئة من الجهة الأولى وبين الناشئة من الثانية عند إيجابها لتنجيز التكليف بالأهم في تعدد العقاب واتحاده ، فإنه إذا تعين الأخذ بالأهم ، فخالف المكلف وعصى ، فإن كان منشأ أهميته هي الجهة الأولى يتعدد عقابه ، فإنه حينئذ حقيقة قد عصى في واجبين ، وإن كان منشأه هي الجهة الثانية يتحد عقابه ، نعم هو على تقديره أعظم من العقاب على عصيان غير الأهم إذا لم يزاحمه الأهم.
لا يقال : إن اتحاد الأهم في الفرض الأول مع عنوان واجب آخر يمنع من تعدد الطلب به ، فإن الشيء الواحد لا يعقل أن يجتمع فيه طلبان ، ولو كانا مثلين ، فإنهما كالنقيضين في امتناع اجتماعهما في محل واحد ، بل الطلب معه واحد ، ومعه لا معنى لتعدد العقاب ، إذ هو يدور مدار تعدد العصيان المتوقف على تعدد الأمر.
لأنا نقول : سلمنا أن الطلب من الكيفيات التي تتداخل فيها أسبابها عند توارد اثنان أو أزيد منها في محل واحد دفعة ، لكن نقول إنه ليس معنى