العبارة الثانية إلى الأولى ـ وهي قوله : ( لا أَجِدُ ) ـ دلالة على أن عدم الوجدان كاف في الحكم بعدم الحرمة وإن كان هو من النبي صلى الله عليه [ وآله ـ يفيد القطع ، لكن الحكم بعدم الحرمة يدور مدار الوصف ، وهو عدم الوجدان ، لا القطع.
هذا غاية ما يقال في توجيه الاستدلال.
لكن يتجه عليه وجوه :
الأول : ما ذكره ـ قدس سره ـ من أن غاية ما يستفاد منها الإشعار بما ذكر ، وأما الدلالة فلا (١).
الثاني : ما أفاده ـ دام ظله ـ من منع إشعارها بذلك أيضا ، إذ لعل النكتة في العدول إلى قول : ( لا أَجِدُ ) في مقام الرد على اليهود كون الرد بهذه العبارة لاشتمالها على نوع من التأدب (٢) لعدم كونه تكذيبا لهم صريحا ـ كما في العبارة الثانية ـ مجادلة معهم بالأحسن ، وقد امر صلى الله عليه وآله بها بقوله تعالى : ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(٣) ، واحتمال كون النكتة في العدول هذا ليس بأبعد من احتمال كونها ذاك إن لم نقل بكونه أظهر منه ، كما هو ليس ببعيد.
الثالث : أنه على فرض التسليم والإغماض عن هذين الوجهين نقول : إنه تعالى جعل المناط في الحكم بعدم الحرمة عدم وجدان النبي صلى الله
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٣١٨.
(٢) وهذا كما يقال في العرف في نفي مدعى الخصم (أ) إذا أريد نفي مدعاه بطريق التأدب ـ : إني لا أجد ما تقول في شيء من الكتب ، ولا يقال : إنه باطل أو كذب ، لكونه موجبا لاستخفاف المدعي (ب) لمحرره عفا الله عنه.
(٣) النحل : ١٢٥
__________________
(أ) غير مقروءة والمثبت استظهارا.
(ب) الأنسب بالسياق ظاهرا هو : للاستخفاف بالمدعى.