ومن هنا ظهر أنه لا حاجة في جواز الاكتفاء بغير محتمله إلى التوجيه بحكومة أصالة البراءة ، إذ على هذا التقدير لا ينافيها قاعدة الاشتغال أصلا حتى يحتاج تقديمهما عليها إلى إثبات حكومتها عليها ، فافهم.
ثم إنه بقي أمران ينبغي التنبيه عليها :
الأول : أنه إذا كان أحد الواجبين المتزاحمين أهم من الآخر في نظر الشارع واقعا حال التزاحم من جهة اتحاده مع عنوان آخر واجب ، فذلك إنما هو فيما إذا انحصر مصداق ذلك العنوان فيه ، بحيث لا يمكن امتثاله في مورد آخر ، وأما معه فلا ، إذ مجرد اتحاده معه لا يقضي بتعيينه ، وإنما هو لأجل أنه لو ترك ذلك يلزم فوت الواجبين ، بخلاف ترك الآخر الغير المتحد معه ، ومن المعلوم أن ترك واجبين لا يلزم إلا في تقدير انحصار مصداق ذلك العنوان فيه ، فإذا كانت أهمية أحدهما محتملة من تلك الجهة ، فلا بد أن يكون المورد مما انحصر مصداق ذلك العنوان المتحد معه المحتمل وجوبه ، وإلا فلا يعقل احتمال أهميته بمجرد اتحاده معه مع فرض المندوحة.
الثاني : أنه إذا اتحد أحد الواجبين المتزاحمين مع عنوان مندوب في نفسه ، بل ومع ألف عنوان كذلك ، لا يوجب ذلك تعينه ، بل الحكم حينئذ أيضا التخيير ، كصورة عدم اتحاده مع شيء منها أصلا.
والدليل عليه ـ بعد الإجماع على عدم تعيين أحد فردي الواجب التخييري باتحاده مع عنوان آخر مندوب ، الّذي يعبر عنه بأفضل فردي الواجب التخييري ، بل ومع اتحاده مع عناوين كذلك ـ العقل.
وتوضيحه : أن تعيين أحد الواجبين المتزاحمين المتخير فيهما لو لا أهمية أحدهما إنما هو على تقديره من جهة تأكد وجوبه بالإضافة إلى وجوب الآخر ، ومن المعلوم أن كان كيفية من الكيفيات لا بد أن يكون مؤكدها كيفية هي من سنخها ونوعها ، كما ترى ذلك في مثل الألوان ، والطعوم.