لا يخفى أن الرفع حقيقة في رفع الأمر الثابت قبل الرفع حقيقة ، فلذا يقال في النسخ : إنه رفع صوري بالنظر إلى ظاهر الدليل الدال على الاستمرار ، ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا شموله لرفع الأمر الثابت ـ ولو بحسب ظاهر الدليل ـ فلا يشمل عدم توجيه التكليف مع قيام المقتضي له حقيقة إذا لم يكن هنا دليل يثبته ، ولو أطلق عليه فهو مجاز جدا.
لكن الظاهر من الرواية إرادة ما يعم ذلك كما ذكره ـ قدس سره ـ والقرينة عليه أنه صلى الله عليه [ وآله ـ ذكر هذا الحديث الشريف في مقام الامتنان على هذه الأمة ، بأنه من الله عليهم برفع تلك الأمور التسعة عنهم ، ولم يثبتها عليهم ، كما أثبتنا على الأمم السابقة ، فالرفع هنا مقابل لإثباتها على الأمم السابقة ، فلم يكن معناه حينئذ إلا عدم جعلها في حقهم مع قيام المقتضي ، فيكون معناه مساوقا لقوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(١).
هذا مضافا إلى أنه لا يعقل الرفع الحقيقي في الأحكام الشرعية ، بمعنى رفعها حال ثبوتها واقعا لكونه مستلزما للبداء في حقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وأما رفعها بمعنى الإعلام بانقضاء مدة ثبوتها بعد اقتضاء الدليل لها مستمرا ـ كما هو معنى النسخ ـ فهو وإن كان ممكنا واقعا في الشريعة إلا أنه غير محتمل في الحديث الشريف جدا كما لا يخفى ، فتعين أن يكون المراد به ما مر ، فتدبر.
ثم إن حاصل الجواب عن الإيراد المذكور : أن الّذي مر ـ من أن المراد رفع الآثار الشرعية المترتبة على نفس الفعل من حيث هو ـ نعني به رفع الآثار الشرعية التي يقتضي ذات الفعل ترتبها عليه ، ولما كان التكليف المجهول بذاته مقتضيا لإيجاب الاحتياط فمعنى رفعه رفع إيجاب الاحتياط والتحفظ.
__________________
(١) الحج : ٧٨.