بنو بكر ، وأهل فارس مشهورون بشدة التسنن والنصب والعداوة لاهل الايمان وكان محمود هذا أشدهم في الباب ، وقد وفقه الله تعالى للتشيع دون أصحابه.
فقلت لها : واعجباه كيف سمح أبوك بك؟ وجعلك مع هؤلاء النواصب؟ وكيف اتفق لزوجك مخالفة أهله حتى ترفضهم؟ فقالت : يا أيها المقرئ إن له حكاية عجيبة إذا سمعها أهل الادب حكموا أنها من العجب ، قلت : وما هي؟ قال : سله عنها سيخبرك.
قال الشيخ : فلما حضرنا عنده قلت له : يا محمود ما الذي أخرجك عن ملة أهلك ، وأدخلك مع الشيعة؟ فقال : يا شيخ لما اتضح لي الحق تبعته ، اعلم انه قد جرت عادة أهل الفرس (١) أنهم إذا سمعوا بورود القوافل عليهم ، خرجوا يتلقونهم ، فاتفق أناسمعنا بورود قافلة كبيرة ، فخرجت ومعي صبيان كثيرون وأنا إذ ذاك صبي مراهق ، فاجتهدنا في طلب القافلة ، بجهلنا ، ولم نفكر في عاقبة الامر ، وصرنا كلما انقطع مناصبي من التعب خلوه إلى الضعف ، فضللنا عن الطريق ، ووقعنا في واد لم نكن نعرفه ، وفيه شوك ، وشجر ودغل ، لم نر مثله قط فأخذنا في السير حتى عجزنا وتدلت ألسنتنا على صدورنا من العطش ، فأيقنا بالموت ، وسقطنا لوجوهنا.
فبينما نحن كذلك إذا بفارس على فرس أبيض ، قد نزل قريبا منا ، وطرح مفرشا لطيفا لم نر مثله تفوح منه رائحة طيبة ، فالتفتنا إليه وإذا بفارس آخر على فرس أحمر عليه ثياب بيض ، وعلى رأسه عمامة لها ذؤابتان ، فنزل على ذلك المفرش ثم قام فصلى بصاحبه ، ثم جلس للتعقيب.
فالتفت إلي وقال : يا محمود! فقلت : بصوت ضعيف لبيك يا سيدي ، قال :
____________________
(١) الظاهر أنه بالفتح ، موضع للهذيل أو بلد من بلدانهم كما في القاموس منه رحمهالله.
اقول : بل هو بالضم لما سبق قبل أسطر من قوله « وأهل فارس مشهورون بشدة التسنن النصب والعداوة ».