ادن مني ، فقلت : لا أستطيع (١) لما بي من العطش والتعب ، قال : لا بأس عليك.
فلما قالها حسبت كأن قد حدث في نفسي روح متجددة ، فسعيت إليه حبوا فمر (٢) يده على وجهي وصدري ورفعها إلى حنكي فرده حتى لصق بالحنك الاعلى ودخل لساني في فمي ، وذهب مابي ، وعدت كما كنت أولا.
فقال : قم وائتني بحنظلة من هذا الحنظل وكأن في الوادي حنظل كثير فأتيته بحنظلة كبيرة فقسمها نصفين ، وناولنيها وقال : كل منها فأخذتها منه ، ولم أقدم على مخالفته وعندي (٣) أمرني أن آكل الصبر لما أعهد من مرارة الحنظل فلما ذقتها فاذا هي أحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك شبعت ورويت.
ثم قال لي : ادع صاحبك ، فدعوته ، فقال بلسان مكسور ضعيف : لا أقدر على الحركة ، فقال له : قم لا بأس عليك فأقبل إليه حبوا وفعل معه كما فعل معي ثم نهض ليركب ، فقلنا بالله عليك يا سيدنا إلا ما أتممت علينا نعمتك ، وأوصلتنا إلى أهلنا ، فقال : لا تعجلوا وخط حولنا برمحه خطة ، وذهب هو وصاحبه فقلت لصاحبي : قم بناحتى نقف بازاء الجبل ونقع على الطريق ، فقمنا وسرنا وإذا بحائط في وجوهنا فأخذنا في غير تلك الجهة فاذا بحائط آخر ، وهكذا من أربع جوانبنا.
فجلسنا وجعلنا نبكي على أنفسنا ثم قلت لصاحبي : ائتنا من هذا الحنظل لنأكله ، فأتى به فاذا هو أمر من كل شئ ، وأقبح ، فرمينا به ، ثم لبثناهنيئة وإذا قد استدار من الوحش ما لا يعلم إلا الله عدده ، وكلما أرادوا القرب منا منعهم ذلك الحائط ، فاذا ذهبوا زال الحائط ، وإذا عادوا عاد.
قال : فبتنا تلك الليلة آمنين حتى أصبحنا ، وطلعت الشمس واشتد الحر
____________________
(١) هذا هو الظاهر ، والنسخة « لم استطع ». منه رحمهالله.
(٢) فأمر ظ.
(٣) اى وعندى من العقيدة والنظر أنه أمرني أن آكل الصبر.