.................................................................................................
______________________________________________________
بنعوت الملائكة وبخلاف صفات البشر لما أطاق البشر ومن أرسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى ، فجعلوا من جهة الأجسام والظواهر مع البشر ومن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تنام عيناي ولا ينام قلبي ، وقال : إني لست كهيأتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ، فبواطنهم منزهة عن الآفات مطهرة من النقائص والاعتلالات.
وقال في موضع آخر قد قدمنا أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم وسائر الأنبياء والرسل من البشر وأن جسمه وظاهره خالص للبشر ، يجوز عليه من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر ، وهذا كله ليس بنقيصة فيه لأن الشيء إنما يسمى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه ، وقد كتب الله على أهل هذه الدار « فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون » وخلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض صلىاللهعليهوآلهوسلم واشتكى وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر ، وناله الإعياء والتعب ، ومسه الضعف والكبر وسقط فجحش شقه وشجه الكفار وكسروا رباعيته وسقي السم وسحر (١) ، وتداوى واحتجم وتعوذ ثم قضى نحبه ، فتوفي صلىاللهعليهوآلهوسلم وألحق بالرفيق الأعلى ، وتخلص من دار الامتحان والبلوى ، وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها.
وأصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منها وقتلوا قتلا ورموا في النار ، ونشروا بالمناشير ، ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات ، ومنهم من عصمه كما عصم نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد من الناس ، فلئن لم يكف عن نبينا ربه تعالى يد ابن قميئة يوم أحد ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف ، فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور وأمسك عنه سيف غورث وحجر أبي جهل وفرس سراقة ، ولئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم من سم اليهودية ، وكذا
__________________
(١) إشارة إلى ما يذكرونه من قصّة سحر ابن الأعصم وبعض المفسرين ينكرونها فراجع.