أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت العزيز الحكيم ـ.
______________________________________________________
والآخر بإكمال اللطف ، وقيل : هو الأول بإحسانه والآخر بغفرانه.
« وأنت الظاهر » أي الغالب القادر على جميع الأشياء ، فلما حصره فيه قال : « فلا شيء فوقك » يغلبك ويقدر عليك ، وقيل : أي الظاهر بالدلائل والآثار ، فليس فوقه شيء في الظهور « وأنت الباطن » قال في النهاية : الباطن هو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم ، فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم ، وقيل : هو العالم بما بطن ، يقال : بطنت الأمر إذا عرفت باطنه ، انتهى.
« فليس دونك شيء » أي في الخفاء ليس شيء دونك يحول بينك وبين الأشياء ، والأظهر عندي أن المعنى ليس أقرب منك شيء بالأشياء ، قال الجوهري : يقال هذا دون هذا أي أقرب منه فهو مؤيد للمعنى الثاني للباطن ، وما قيل : إن المعنى ليس دونك شيء لم يبلغه علمك ، أو ليس غيرك شيء تكون له تلك الصفة فلا يخفى ما فيهما.
وقال الطيبي في شرح المشكاة : الأول السابق على الأشياء كلها ، والآخر الباقي وحده بعد فناء الخلق « الظاهر » الجلي وجوده بآياته الباهرة في أرضه وسمائه « والباطن » المحتجب كنه ذاته عن نظر الخلق بحجب كبريائه ، وإليه أشار من قال : الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء ، والظاهر بالقدرة والباطن عن الفكرة ، وقيل : الأول بلا مطلع ، والآخر بلا مقطع ، والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا حجاب.
قال الشيخ أبو حامد : اعلم أنه تعالى إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره ، وظهوره بسبب بطونه ، ونوره هو حجاب نوره ، وكل ما جاوز حده انعكس إلى ضده ، وحظ العبد أن يهتم بأمره فيبتدر أوله ويدبر آخره ، ويصلح باطنه وظاهره.