ولا تقنطني من رحمتك ولا تؤمني مكرك فإنه لا يأمن مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ » قلت : جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك فقال إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله.
______________________________________________________
ضرب وكرم قنوطا بالضم وكفرح قنطا وقناطه وكمنع وحسب وهاتان على الجمع بين اللغتين يئس انتهى.
وأقول : الفقرتان الأوليان قريبتان معنى ومالهما واحد فيمكن أن تكون الثانية مؤكدة للأولى أو يكون المراد بالأولى اليأس من رحماته تعالى في الدنيا عند الشفاء والبلايا ، أو الأعم من الدنيا والآخرة ، وبالثانية اليأس من الجنة ومثوباته الباقية في الآخرة فيكون على الثاني تخصيصا بعد التعميم لمزيد الاهتمام ، أو يكون المراد بالقنوط الدرجة العليا من اليأس ، كما قال في النهاية قد تكرر ذكر القنوط في الحديث وهو أشد اليأس من الشيء يقال : قنط يقنط وقنط يقنط فهو قانط وقنوط والقنوط بالضم المصدر انتهى ، وقد يقال : الروح دفع المكروه والشر والرحمة إعطاء المحبوب والخير ، وقيل : الروح بالفتح الراحة والنسيم الطيبة والرحمة والأولان أولى بالإرادة هنا تحرزا عن التكرار والمراد بهما نسيم الجنة والراحة فيهما والقنوط منهما ومن الرحمة بسبب المعصية وإن كانت عظيمة بعد الإيمان كفر بالله العظيم كما نطق به القرآن الكريم « ولا تؤمني مكرك » كالاستدراج ونحوه مثل أن يسكن قلبه ولا يخاف عقوبته من المعصية ويعتقد أنه مغفور قطعا فإن ذلك تكذيب للوعيد وليس هذا من حسن الظن بالله فإن حسن الظن به أن يعمل ويستغفر ويظن أنه مقبول وقد مر القول فيه سابقا.