على خلافه ، فان إطلاق الحكم بطهارة سؤر الهر فيها من دون الاشتراط بشئ مع كون الغالب فيه عدم الانفكاك من أمثال هذه الملاقاة ، دليل على عدم اعتبار أمر آخر غير ذهاب العين ، ولو فرضنا عدم دلالة الاخبار على العموم فلا ريب أن الحكم بتوقف الطهارة في مثلها على التطهير المعهود شرعا منفي قطعا ، والواسعة بين ذلك وبين زوال العين يتوقف على الدليل ، ولا دليل.
وقداكتفى في المنتهى بزوال العين عن فمها فقال بعد أن ذكر كراهة سؤر آكل الجيف ، وبين وجهه : وهكذا سؤر الهرة وإن أكلت الميتة وشربت ، قل الماء أو كثر ، غابت عن العين أو لم تغب ، لعموم الاحاديث المبيحة ، وحكى ما ذكره في النهاية عن بعض أهل الخلاف.
وقال الشيخ في الخلاف : إذا أكلت الهرة فأرة ثم شربت من الاناء فلا بأس بالوضوء من سؤرها ، وحكى عن بغض العامة أنه قال : إن شربت قبل أن تغيب عن العين لا يجوز الوضوء به ، ثم قال الشيخ : والذي يدل على ما قلناه إجماع الفرقة على أن سؤر الهرة طاهر ولم يفصلوا انتهى.
وبالجملة مقتضى الاخبار المتضمنة لنفى البأس عن سؤر الهرة وغيرها من السباع طهارتها بمجرد زوال العين ، لانها لا تكاد تنفك عن النجاسات خصوصا الهرة فان العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الاوقات ولولا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر إلى الفرد النادر ، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة كماذكره بعض المحققين.
وقد قطع جمع من المتأخرين بطهارة الحيوان غير الادمى بمجرد زوال العين وهو حسن للاصل ، وعدم ثبوب التعبد بغسل النجاسة عنه ، ولا يعتبر فيه الغيبة ، وأما الادمى فقد قيل إنه يحكم بطهارته بغيبة زمانا يمكن فيه إزالة النجاسة ، واستشكله بعض المحققين وقال : الاصح عدم الحكم بطهارته بذلك إلا مع تلبسه بما يشترط فيه الطهارة عنده ، على تردد في ذلك أيضا ، والله يعلم.