وإذا ما تجرّدنا للحقيقة بدون تعصّب ولا انحياز ، فهل من المعقول أن يحكُمَ العقلُ بأنّها مطهّرة من الذنوب والمعاصي؟ أم أنّ الله سبحانه رفع عنها حصانته المنيعة بعد موت زوجها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فلننظر معاً إلى الواقع.
____________
الطبري : ص٥٢.
إلى غير ذلك من الخصائص المزعومة التي ذكرت لها دون غيرها من نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتي هي من الكثرة بحيث لم تكن لغيرها عشر معشار ما ذكر لها. وقد ذكر ابن تيمية كلاماً فيه طعن وتوهين للسيدة خديجة على حساب تفضيل عائشة واعطائها ذلك المنصب المصطنع من قبل الأمويين ، قال في كتابه أُم المؤمنين عائشة : ٢٥ : « وهؤلاء يقولون : قوله لخديجة : « ما أبدلني الله بخير منها » ـ إن صحّ ـ فمعناه : ما أبدلني بخير لي منها; لأنّ خديجة نفعته في أول الإسلام نفعاً لم يقم غيرها فيه مقامها ، فكانت خيراً له من هذا الوجه لكونها نفعته وقت الحاجة ، ولكن عائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلاّ أول زمن النبوة ، فكانت أفضل بهذه الزيادة ، وبلغت من العلم ما لم يبلغه غيرها ، فخديجة كان خيرها مقصوراً على نفس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .. ».
وهذا الاستدلال كان من الأحرى لابن تيمية أن يجعله دليلا على أفضليتها على عائشة; لأنّها نصرت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أول الرسالة حينما كان وحيداً ، بلا ناصر ولا معين ، وكان الطلقاء وأبناء الطلقاء يتربصون بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كل منفذ وكل فج ، ولم يألوا جهداً في معارضته بكلّ الأساليب والطرق من أذى ، وجوع ، وعزل عن المجتمع ، واستهزاء وسخرية وغيرها ... ، ومع ذلك وقفت مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وناصرته وآزرته وثبت على إيمانها .. بينما عائشة تزوّجها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة بعد أن ارتفعت جميع الموانع ، وأصبح المسلمون في حرية كاملة والدين في سعة لا ضيق .. ومن الواضح أنّ المناصرة في الشدة أكمل وأحسن من المناصرة ـ على الفرض ـ في وقت الرخاء والسعة .. فما ذكره ابن تيمية عليه لا له أن تدبّر.