والضغائن البدرية والحنينية والخيبرية حتى سقط شهيداً ، ولم تجد تلك السّنن النبويّة آذاناً صاغية لدى الناكثين والقاسطين والمارقين ، والانتهازيين الذين أَلِفُوا الفساد والرشوة وحبّ الدنيا أيام عثمان ، فلم يكن ابن أبي طالب ليصلح فساد وانحراف ربع قرن في ثلاث أو أربع سنوات إلاّ بفساد نفسه ، وهيهات منه ذلك وهو القائل : « والله إنّي لأعرف ماذا يُصلحكم ، ولكن لا أصلحكم بفساد نفسي » (١).
ولم تطل المدّة حتى اعتلى سدّة الخلافة معاوية بن أبي سفيان ، فواصل المخطّط ، كما قدّمنا في منع الأحاديث إلاّ ما كان في زمن عمر ، وذهب شوطاً أبعد من ذلك ، فانتدب من الصّحابة والتّابعين زمرة لوضع الأحاديث ، فضاعت سنّة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في خضمّ تلك الأكاذيب والأساطير والفضائل المختلقة.
واستمرّ المسلمون على ذلك قرناً كامِلا ، وأصبحتْ سنّة معاوية هي المتّبعة لدى عامّة المسلمين ، وإذا قلنَا سنّة معاوية فمعناه السنّة التي ارتضاها معاوية من أفعال الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان ، وما أضافه هو وأتباعه من وضع وتزوير ، ولعْن وسبّ لعلي وأهل بيته وشيعته من الصّحابة المخلصين.
ولذلك أعود وأكرر بأنّ أبا بكر وعمر نجحا في هذا المخطّط لطمس السّنن النبويّة بدعوى الرجوع إلى القرآن ، فإنّك ترى اليوم وبعد مرور أربعة عشر قرناً ، إذا ما حاججتَ بالنّصوص النّبوية المتواترة التي تُثبتُ بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عيّنَ عليّاً خليفةً لَهُ ، فسيُقال لك : دعنا من السنّة النبويّة التي أُختلِفَ فيها وحسبُنَا كتاب الله ، وكتاب الله لم يذكر بأنّ علياً هو خليفة النّبي ، بل
____________
(١) نحوه الكافي ٨ : ٣٦١ ، أنساب الأشراف : ٤٥٨.