باب قدوم الأشعريّين وأهل اليمن :
عن أبي قلابة عن زَهْدَم قال : لمّا قدم أبو موسى أكرم هذا الحىَّ من جَرْم ، وإنّا لجلوسٌ عنده وهو يتغدّى دجاجاً وفي القوم رجلٌ جالسٌ ، فدعَاهُ إلى الغَدَاءِ فقال : إنّي رأيتُهُ يأكل شيئاً فقذرتُهُ ، فقال : هَلُمَّ فإنّي رأيتُ النبىّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يأكُلُهُ ، فقال : إنّي حَلفْتُ لا آكُلُهُ.
فقال : هلمّ أخبرك عن يمينِكَ ، إنَّا أتينَا النبىّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نفَرٌ من الأشعريين ، فاستحملناهُ فأبَى أنْ يَحْمِلَنَا ، فاستحملناهُ فحلَفَ أنْ لا يحملنا ، ثمّ لم يلبثْ النبىُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنْ أُتِيَ بنهب إبل فأمَر لنا بخمسِ ذود ، فلمّا قبضناها قلنَا : تغفَّلْنَا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يمينَهُ لا نُفْلِح بعدها أبداً ، فأتيتُه فقلت : يا رسول الله إنّك حلفت أن لا تحمِلْنَا وقدْ حَملتَنا ، قالَ : أجَلْ ، ولكنْ لا أحلفُ على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ أتيتُ الذي هو خيرٌ منها.
أُنظر إلى هذا النبىّ الذي بعثه الله سبحانه ليعلّمَ النّاس الحفاظ على الأيمان ولا ينقضوها إلاّ بكفّارة ، ولكنّه هو يأمر بالشيء ولا يأتيه ، قال تعالى : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ أوْ كِسْوَتُهُمْ أوْ تَحْرِيرُ رَقَبَة فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أيَّام ذَلِكَ كَفَّارَةُ أيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) ، وقال أيضاً : ( وَلا تَنقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ) (٢) ، ولكنّ هؤلاء لم يتركوا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فضلا ولا فضيلة.
____________
(١) المائدة : ٨٩.
(٢) النحل : ٩١.