آخراً ، ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً ، كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل ، وكلُّ عزيز غيره ذليل ، وكل قوىّ غيره ضعيف ، وكلّ مالك غيره مملوك ، وكلّ عالم غيره متعلّمٌ ، وكلّ قادر غيره يقدر ويعجزُ ، وكلّ سميع غيره يصَمُّ عن لطيف الأصواتِ ويُصمُّهُ كبيرها ، ويذهبُ عنه ما بعدَ منها ، وكلّ بصير غيرُه يعمى عن خفىّ الألوانِ ولطيف الأجْسام ، وكلّ ظاهر غيره باطن ، وكلّ باطن غيره ظاهر.
لم يخلق ما خلقَه لتشديد سلطان ، ولا تخوّف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ندّ مثاور ، ولا شريك مكاثر ولا ضدّ مُنافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون.
لم يحلل في الأشياء فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأَ عنها فيقالُ : هو منها بائنٌ ، لم يؤُدْهُ خلقُ ما ابتدأ ولا تدبير ما ذرأَ ، ولا وقفَ به عجزٌ عمّا خلق ، ولا ولجتْ عليه شبهة فيما قضى وقدّر ، بل قضاءٌ متقنٌ ، وعلمٌ محكمٌ ، وأمرٌ مبرمٌ ، المأمول مع النِّقم ، والمرهوبُ مع النِّعَم » (١).
« ليس لأوليته ابتداءٌ ، ولا لأزليته انقضاء ، هو الأوّل ولم يزلْ ، والباقي بلا أجل ، خرّتْ له الجباه ، ووحّدتْهُ الشفاهُ ، حدّ الأشياء عند خلقه لها إبانَة له من شبهها لا تقدّره الأوهام بالحدود والحركات ، ولا بالجوارح والأدوات ، لا يقالُ له : متى ، ولا يضربُ له أمدٌ بحتّى. الظاهرُ لا يقالُ ممَّ ، والباطن لا يقالُ فيم ، لا شبحٌ فيتقصّى ، ولا محجوبٌ فيحوَى ... تعالى عمّا ينحلهُ المحدّدون من صفاتِ الأقدار ، ونهايات الأقطارِ ، وتأثّل المساكنِ ، وتمكّن الأماكن ،
____________
(١) نهج البلاغة ١ : ١١٤ ، الخطبة : ٦٥.