وتفهم بعد ذلك السرّ في إبعاد الأئمّة المعصومين من العترة الطاهرة ، فلا تجد منهم أحداً وعلى مرّ العصور عيّنوه من قِبلهم ، أو نصبوه قاضياً ، أو قلّدوه وسام الإفتاء.
وإذا أردنا مزيد التحقيق حول كيفية انتشار المذاهب « السنيّة » الأربعة بواسطة الحكّام ، فلنا أن نأخذ لذلك مثالا واحداً من خلال كشف الستار عن مذهب الإمام مالك ، الذي يُعدّ من أكبر المذاهب وأعظمها قدراً وأوسعها فقهاً ، فقد اشتهر مالك بالخصوص بالموطّأ الذي كتبه بنفسه ، ويقال عند أهل السنّة بأنّه أصحّ الكتب بعد كتاب الله (١) ، وهناك بعض العلماء الذين يقدّمونه ويفضّلونه على صحيح البُخاري (٢).
__________________
١ ـ هذه المقولة تُنسب إلى الشافعي. راجع ( التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد ) لابن عبد البرّ ١ : ٦٠ ، و ( تنوير الحوالك ) للسيوطي : ٧. وكلام عثمان الخميس في كشف الجاني : ١٧٧ هراء لا طائل منه ؛ لأنّ كلام الشافعي هذا وإن كان قبل وجود صحيح البخاري ، لكن من أين لعثمان الخميس أن يعلم بأنّ الشافعي لو بقي حيّاً لفضّل صحيح البخاري على الموطأ؟! فما ذلك إلاّ رجماً بالغيب نشأ من عقيدته بصحيح البخاري التي يريد تحميلها على غيره!!
مضافاً إلى أنّ كلام القاضي أبا بكر العربي بعد وجود صحيح البخاري ، ومع ذلك يعدّه الأصل الثاني بعد الموطأ.
١ ـ قال السيوطي في تنوير الحوالك : ٦ « قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي : الموطأ هو الأصل الأوّل واللباب ، وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب ، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي ». وقال الشاه ولي اللّه الدهلوي في كتابه حجة اللّه البالغة ١ : ٢٤٩ عند سرده لطبقات الأحاديث الصحيحة « فالطبقة الأُولى منحصرة بالاستقراء في ثلاثة كتب : الموطأ وصحيح