ثلاثة أيام ثمّ يدفن في مقبرة اليهود ، ويموت أبو هريرة الدّوسي في العزّ والجاه ، وقد كان مُعدماً ولا يعرف أحدٌ قومَه ولا عشيرته ، وليس له في قريش قرابة ، فيحمله أولاد الخليفة الذين أصبحوا في عهد معاوية ولاة الأُمور ويدفنونه في بقيع رسول الله!!
وهلمّ بنا الآن إلى أبي هريرة لنعرف موقفه من السنّة النبويّة.
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : حفظتُ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعاءين ، فأمّا أحدُهما فبثثتهُ ، وأمّا الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا البلعوم (١).
وإذا قلنا في الأبحاث السابقة : إنّ أبا بكر وعمر قد أحرقا السنّة النبويّة المكتوبة ، ومنعا المتحدّثين من نقلها ، فها هو أبو هريرة يفصِحُ بهذا الحديث عن المكنون ويؤكّد ما ذهبنا إليه ، ويعترف بأنّه ما كان يحدّث إلاّ بما يروق الخلفاء الحاكمين.
وعلى هذا الأساس فإنّ أبا هريرة كان يملكُ كيسين أو وعاءين ، أحدهما كان يبثّه وهو الذي تحدّثنا عنه وفيه ما يشتهيه الحاكمون.
وأمّا الوعاء الثاني الذي كتمهُ أبو هريرة ، ولم يحدّث به خوفاً من أن يقطع بلعومه ، فهو الذي يحوي الأحاديث الصحيحة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولو كان أبو هريرة ثقةً ما كان ليكتُمَ الأحاديث الحقيقية ، ويبثّ الأوهام والأكاذيب لتأييد الظّالمين ، وهو يعلم بأنّ الله لعن من يكتم البيّنات.
فقد أخرج له البخاري قوله : إنّ الناس يقولون : أكثرَ أبو هريرة ، ولولا
__________________
١ ـ صحيح البخاري ١ : ٣٨ ( كتاب العلم ، باب حفظ العلم ).