آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً ، ثمّ يتلو : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ ـ إلى قوله ـ الرَّحِيمُ ) (١) ، وإنّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإنّ أبا هريرة كان يلزم النبيّ بشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ، ويحفظ ما لا يحفظون (٢).
فكيف يقول أبو هريرة : لولا آيتان في كتاب الله ما حدّثتُ حديثاً ، ثمّ يقول هنا حفظت عن رسول الله وعاءين ، فأمّا أحدُهما فبثثته وأمّا الوعاء الثاني لو بثثتُه قُطِعَ هذا البلعوم! وهل هذه إلاّ شهادة منه بأنّه كتم الحقّ رغم الآيتين في كتاب الله؟!
وإذا كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لأصحابه : « ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم » (٣) ، وقال : « ربّ مُبلّغ أوعى من سامع » (٤) ، وأخرج البخاري أنّ النبيّ حرّض وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ، ويخبروا به مَن ورائهم (٥).
فهل لنا أن نتساءل ، وهل للباحثين أن يتساءلوا : لماذا يُقتلُ الصحابي عندما يتحدّث بحديث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويُقطع منه البلعوم؟!
فلابدّ أنّ هناك سرّاً لا يُحبُّ الخلفاء إفشاءَهُ ، وقد أشرنا إلى ذلك السرّ في
__________________
١ ـ البقرة : ١٥٩ ـ ١٦٠.
٢ ـ صحيح البخاري ١ : ٣٨ ( كتاب العلم ، باب حفظ العلم ).
٣ ـ صحيح البخاري ١ : ٣٠ ( كتاب العلم ، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد ).
٤ ـ صحيح البخاري ١ : ٢٤ ( كتاب العلم ، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ).
٥ ـ صحيح البخاري ١ : ١٩ ( كتاب الخمس ، باب أداء الخمس من الإيمان ).