ولا يطلعانه على سرّهما ، حتى قبضهما الله ، وانقضى أمرهما ، ثمّ قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ، فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما.
فخذ حذرك يا بن أبي بكر ، فسترى وبال أمرك ، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمُهُ ، ولا تلين على قسر قناته ، ولا يدرك ذو مدى أناته.
أبوك مهَّد له مهاده ، وبنى ملكه وشاده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله ، وإن يكن جوراً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه ، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا ، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلّمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا ، فاحتذينا مثاله ، واقتدينا بفعاله ، فعبْ أباك بما بدالك أو دع ، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب (١).
* * *
ونستنتج من هذا الردّ بأنّ معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه ، ولكنّه تجرّأ عليه احتذاء بأبي بكر وعمر ، ولولاهما لما استصغر شأن عليّ عليهالسلام ، ولا تقدّم عليه أحد من الناس ، كما يعترف معاوية بأنّ أبا بكر هو الذي مهَّد لبني أُميّة ، وهو الذي بنى ملكهم وشاده.
ونفهم من هذه الرسالة بأنّ معاوية لم يقتدِ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يهتدِ بهديه ، عندما اعترف بأنّ عثمان هدى بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما.
__________________
١ ـ مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ١٨٩ ، أنساب الأشراف : ٣٩٦.