يفهمونها بأن يستبد الحاكم على رعيّته ، فيولي عليهم ابنه قبل وفاته ويسمّيه ولي العهد ، ولو كان الوالد والولد فاسقين ، بل هي وراثة إلهية من اختيار ربِّ العالمين الذي لا يعزب عن علمه مثقال حبّة من خردل ، والتي تخصّ نخبة صالحة اصطفاها الله وأورثها الكتاب والحكمة لتكون للناس أئمة ، فقال : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (١).
مع أنّ قولهم بأنّ الإسلام لا يقرّ الوراثة وإنّما ترك الأمر شورى ، هو مغالطة لا يقرّها الواقع والتاريخ ، فقد وقعوا بالضبط في النظام الوارثي الممقوت ، ولم يتولّ على الأُمّة بعد علي عليهالسلام إلاّ الظالمين الغاصبين الذين أورثوها لأبنائهم الفسقة رغم أنف الأُمّة.
فأيّهما الأفضل أن يتوارثها الفساق الذين يحكمون بأهوائهم ولا يخضعون إلاّ لشهواتهم؟ أو يتوارثها الأئمة الطاهرين الذين اصطفاهم الله وأذهب عنهم الرجس ، وأورثهم علم الكتاب ليحكموا بين الناس بالحق ، ويهدوهم سواء السبيل ، ويدخلوهم جنات النعيم ، من باب قول الله : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) (٢)؟
وما أظنّ العاقل يختار إلاّ الثاني إن كان من المسلمين! وما دمنا الآن نقول بالأمر الواقع ولا يفيدنا التحسّر على ما فات ، فلنعد إلى الموضوع فنقول :
__________________
١ ـ الأنبياء : ٧٣.
٢ ـ النمل : ١٦.