رسول الله ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فأبَى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدتْ فاطمة على أبي بكر ، فهجرته ، فلم تكلّمه حتى توفّيتْ ، وعاشتْ بعد النبيّ ستّة أشهر ، فلما تُوفّيتْ دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيتْ استنكَر علي وجوه الناس ، فالتمسَ مُصالحة أبي بكر ومُبايعته ، ولم يكن يُبايع تلك الأشهر (١).
فقد نجح الحزب الحاكم نجاحاً كبيراً في عزل علي بن أبي طالب اقتصادياً واجتماعياً ، وأسقطه من أعين الناس ، فلم يبقَ له بينهم احترام ولا تقدير ، وخصوصاً بعد وفاة الزهراء ، ولذلك استنكر علي وجوه الناس ، فاضطرّ لمصالحة أبي بكر ومبايعته ، حسب ما يرويه البخاري ومسلم.
وتعبير البخاري بكلمة : « استنكر عليّ وجوه الناس » يَدلّنا دلالة واضحة على مدى الحقد والبغض الذي كان يواجهه أبو الحسن ( سلام الله عليه ) بعد وفاة ابن عمّه وزوجته ، ولعلّ بعض الصحابة كان إذا مشى بينهم يسبّونه ويشتمونه ويستهزئون به ، ولذلك استنكر وجوههم للمنكر الذي رآه.
ولا نقصد من هذا الفصل سرد التاريخ ومظلومية علي بقدر ما نُريد إظهار الحقيقة المرّة والمؤلمة ، ألا وهي أنّ حامل لواء السنّة النبويّة ، وباب علم الرسول أصبح متروكاً ، وفي المقابل أصبح أنصار الاجتهاد بالرّأي الذين يرفضون السنّة النبويّة هم الحاكمون ، والمؤيّدون أغلب الصحابة.
__________________
١ ـ صحيح البخاري ٥ : ٨٢ باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم ٥ : ١٥٤ ، كتاب الجهاد والسير ، باب قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم « لا نورث .. ».