والمتتبّع لسيرة عمر يكتشف بأنّه لم يعش مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد إسلامه إلاّ نصف عمر الرسالة أو أقلّ من ذلك بكثير.
فها هو يحدّث عن نفسه في هذا الصدد فيقول :
« كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أُميّة بن زيد ، وهي من عوالي المدينة ، وكنّا نتناوبُ النزولَ على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ينزل يوماً وأنزلُ يوماً ، فإذا نزلتُ جئتُه بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك » (١).
فقوله : كنّا نتناوبُ النزول على رسول الله ينزل يوماً وأنزلُ يوماً ، فيه دلالة واضحة على أنّه كان بعيد المسكن عن مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولذلك قسّم عمر حياته إلى يومين يوم ينزل لرؤية النبيّ ، ويومٌ لاَ ينزل ، ولا يكلّف نفسه عناء النزول لبعد المسافة.
أو أنّ المسافة لم تكن بعيدة ، ولكنّه ينزل إلى الأسواق ويشتغل فيها بالصّفق والتجارة.
وإذا أضفنا هذا إلى قوله : « ألهاني الصفق بالأسواق عن أحاديث النبيّ » في قضية أبي موسى الأشعري المتقدّم ذكرها ، ثمّ أردفنا بقول أُبي بن كعب له : « يا عمر إنّه كان يُلهيني القرآن ، ويُلهيكَ الصفق بالأسواق » كما مرّ علينا ، تأكّدنَا بأنّه لم يقضِ وقتاً طويلا مع صاحب الرسالة صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولعلّه كان يغيبُ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى في المناسبات الكبرى التي يجتمع فيها المسلمون كافة ، كيوم عيد الفطر وعيد الأضحى ، ولذلك نراه يسأل بعض الصحابة الذين لم تُشغلهم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام
__________________
١ ـ صحيح البخاري ١ : ٣١ من ( كتاب العلم ، باب التناوب في العلم ).