عثمان بعدهما فأمعن في احتقاره أكثر من صاحبيه والتقليل من شأنه حتّى هدّده مرّة بالنفي كما نفى أبا ذر الغفاري ، ولما ولي معاوية أمعن في سبّه ولعنه ، وحمل الناس على ذلك ، فدأب حكّام بني أُميّة على ذلك في كلّ مدينة وقرية ، ودام ذلك ثمانين عاماً (١).
بل وتواصل ذلك اللعن والطعن والبراءة منه ومن شيعته أكثر من ذلك بكثير ، فهذا المتوكّل الخليفة العباسي يصل به الحقد إلى نبش قبر علي وقبر الحسين بن علي ، وذلك سنة أربعين ومائتين للهجرة.
وهذا الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين في عهده ، يخطب الناس يوم الجمعة فيقول لهم من فوق المنبر : إنّ الحديث الذي روي عن رسول الله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى « صحيح ، ولكنّه محرّف ؛ لأنَ رسول الله قال له : أنت مني بمنزلة قارون من موسى فاشتبه على السامع (٢)!!
ولمّا كان عهد المعتصم الذي كثر فيه الزنادقة والملحدون والمتكلّمون ، وولّى عهد الخلافة الراشدة ، واشتغل الناس بمشاكلّ هامشية ، وكانت محنة أحمد بن حنبل في قوله بقدم القرآن ، وأصبح الناس يدينون بدين ملوكهم وبأن القرآن مخلوق.
ولمّا تراجع أحمد بن حنبل عن قوله الأوّل خوفاً من المعتصم وخرج من محنته (٣) ، واشتهر بعد ذلك ولمع نجمهُ في عهد المتوكّل بين أهل
__________________
١ ـ كلّهم باستثناء عمر بن عبدالعزيز ( رحمه الله ).
٢ ـ تاريخ بغداد ٨ : ٢٦٦.
٣ ـ المشهور عند المحدّثين والمؤرّخين أنّ أحمد بن حنبل لم يتراجع عن قوله وبقي صامداً ، ولكن هناك بعض الشواهد وردت في طيات الكتب تجعلنا نشكّك