كما أخرج البخاري في صحيحه حديثاً آخر لابن عمر أكثر صراحة من الأول ، إذ قال عبد الله بن عمر :
« كنّا في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لاَ نعدل بأبي بكر أحداً ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا نفاضل بينهم » (١).
ومن أجل هذا الحديث الذي ليس لرسول الله فيه رأي ولا عمل ، إنّما هو من خيال عبد الله بن عمر ، وآرائه الفاسدة وحقده وبغضه المعروف لعلي بنى « أهل السنّة والجماعة » مذهبهم على عدم الاعتراف بخلافة علي.
وبأمثال هذه الأحاديث استباح بنو أُميّة سبّ علي ولعنه وشتمه وانتقاصه ، ودأب الحكّام من عهد معاوية إلى أيام مروان بن محمّد بن مروان سنة ١٣٢ للهجرة يلعنون علياً على المنابر ، ويقتلون من تشيّع له ، أو من أنكر عليهم ذلك (٢).
ثمّ قامتْ دولة العباسيين من عهد العباس السفّاح سنة ١٣٢ للهجرة وإلى عهد المتوكّل سنة ٢٤٧ للهجرة ، تواصلت خلالها البراءة من علي ومن تشيّع له بأساليب مختلفة ومتعدّدة حسب الظروف والملابسات ؛ لأنّ دولة العباسيين قامتْ على أنقاض أهل البيت والمتشيعين لهم ، فكان الحكّام لا يجهرون بلعن عليّ عندما تقتضي مصلحة الدولة ، ولكنّهم يعملون في الخفاء أكثر من عمل الأمويين.
__________________
١ ـ صحيح البخاري ٤ : ٢٠٣ باب مناقب عثمان بن عفّان.
٢ ـ باستثناء سنتين تولّى خلالهما عمر بن عبدالعزيز فأبطل اللّعن ، ولكن بعد قتله عادوا إلى اللّعن وإلى أكثر من اللّعن حتّى نبشوا قبره ، وحرّموا أن يتسمّى أحدٌ باسمه ( المؤلّف ).