إلى كونه من باب التردّد بين امور ، بعد المنع عن كونه من باب الصدق على الامور ، فإنّ الطفل من جهة قصور نظره ـ خصوصا في أوائل تولّده ـ عن إدراك ما يمتاز به امّه عمّا عداها من خصوصيّة التعيّن الّتي بها امتنع صدقها على غيرها ، لم يدرك من امّه إلاّ جثّة وقطرا ، فيحسب كلّ من يراه بهذين الأمرين أنّه بعينه امّه ، لا أنّ الامّ في نظره صادقة على كثيرين.
وهذا ليس من تردّد شيء بين امور ولا من صدقه على امور ، ولو سلّم فهو من صدق الكلّي عليها لا من صدق الجزئي ، لأنّ ما أدركه الطفل من امّه من الجثّة والقطر إنّما هو الجهة المشتركة بينها وبين سائر أشخاص النوع ، فصدق « الامّ » على الكثيرين إنّما هو باعتبار ما به الاشتراك الّذي هو الجهة الكلّية.
ولو سلّم ذلك أيضا لتوجّه المنع إلى نقض تعريف الكلّي ، نظرا إلى أنّ المأخوذ فيه إنّما هو « الفرض » بمعنى التجويز ، الّذي هو عبارة عن تجويز العقل ولا عقل للطفل. وبما قرّرناه جميعا يعلم أنّ ما في كلام غير واحد من إطلاق الكلّي على فرد مّا ليس على ما ينبغي ، إن أرادوا به الحقيقة ، فإنّه ليس إلاّ جزئيّا حقيقيّا طرأه الاحتمال البدلي لما طرأه من إلغاء الخصوصيّة.
وتوضيحه : انّ موضوع حكم القضيّة إخبارا كان أو إنشاء قد يكون في لحاظ الحاكم ماهيّة كلّية معرّاة عن ملاحظة الفرد ، فيؤدّيه بما يفيد أصل الماهيّة ، وقد يكون فردا من الماهيّة بشرط التعيين وخصوصيّة تعيّنه ، بأن يكون للخصوصيّة مدخليّة في الحكم ، وهي مع ذلك مقصودة له بالإفادة ، فيؤدّيه بما يفيد الفرديّة والخصوصيّة معا من اسمه الخاصّ به ، كالعلم أو ما بحكمه كاسم الإشارة ونحوه ، وقد يكون فردا منها لا بشرط التعيين ، بأن لا يكون للخصوصيّة مدخليّة في الحكم أصلا ، أولم تكن مقصودة له بالإفادة وإن كان لها مدخليّة في الحكم بحسب الخارج ، فيؤدّي ما يفيد الفرديّة المعرّاة عن الخصوصيّة.
وقضيّة ذلك : أن يطرأه تردّد واحتمال بدلي بين امور في نظر السامع أو من بحكمه ممّن يلاحظ الخطاب ، وهذا هو فرد مّا ، وهو المأخوذ في وضع النكرات