وكما أنّ كون شيء مظروفا لشيء لا يستدعي بطبعه سبق مظروفيّته لظرف اخر ، فكذلك الطبيعة فإنّ كونها موجودة بالوجود القائم بها لا يستدعي سبق موجوديّتها بوجود اخر مغاير له ، هذا مع أنّ الحمل إنّما يعتبر فيما بين الطبيعة الموجودة بأخذها موضوع القضيّة ، والملحوظة لا بشرط الوجود بأخذها محمول القضيّة ، ولا تنافي بين الكلّ والجزء إذا اخذ بهذا الاعتبار.
هذا كلّه في دفع مقالة منكري وجود الكلّي الطبيعي ، وأمّا مقالة من يدّعي وجوده على طريق العينيّة ، فإن أراد به أنّ الوجود الّذي يضاف إلى الكلّي فهو بعينه الوجود الّذي يضاف إلى الفرد ولا تغائر بينهما في ذلك فهو متين ، ولعلّ الخلاف يعود لفظيّا حينئذ ، وإن أراد به أنّ الفرد الموجود بعينه هو الكلّي الموجود ولا تغاير بينهما أصلا ولو بالاعتبار فهو فاسد ، لوضوح أنّ الماهيّة لا بشرط الوجود غير الماهيّة بشرط الوجود ، والكلّي هو الأوّل والفرد هو الثاني ، غير أنّ المغايرة بينهما اعتباريّة.
وبالجملة الكلّي الطبيعي عبارة عن الماهيّة لا بشرط الوجود ولا بشرط العدم ، وهي بهذا الاعتبار مأخوذة في وضع الألفاظ الكلّية على ما عليه المحقّقون ، من وضعها للمعاني الكلّية من دون مدخليّة للوجود فيها ذهنا وخارجا ، وهي بهذا الاعتبار أيضا مأخوذة في موضوعات الأحكام ، بناء على ما سنحقّقه من تعلّق الأحكام بالطبائع.
والفرد عبارة عن الماهيّة الموجودة بشرط الوصف. وبعبارة اخرى : الماهيّة بوصف الوجود على نحو يكون اعتبار الوجود في الفرد بعنوان الجزئيّة ، فالفرد هو المجموع من الماهيّة ووجودها ، فالفرق بينه وبين الطبيعة حينئذ أنّها هي الماهيّة لا بشرط الوجود والفرد هو الماهيّة بشرط الوجود ، ووجودها عبارة عن تحصّلها الخارجي وتحقّقها فيما يقابل وعاء الذهن.
ومن يدّعي وجود الكلّي الطبيعي على طريق الضمنيّة والجزئيّة ، إن أراد به هذا المعنى فمرحبا بالوفاق وإلاّ بأن يدّعي مدخليّة مشخّصات الفرد معه في