تخطئتهم في جعل اصطلاحهم فيهما في الألفاظ بالاعتبار المذكور ، بدعوى : كون اللازم عليهم جعله فيها لذواتها بالتقريب المذكور ، ففيه : ما لا يخفى من نهوضه تخطئة لنفسه حيث غفل عمّا يناسب مباحث الفنّ ، فإنّ الاصوليّين لم يتعلّق غرضهم بالألفاظ في حدّ أنفسها ولذواتها ، بل غرضهم في جميع المباحث المتعلّقة بالألفاظ متعلّق بالألفاظ باعتبار دلالاتها على معانيها ، لما هو معلوم بالتتّبع أنّ جميع مقاصدهم في مباحث الألفاظ إنّما هو لغرض إحراز أصل الدلالة ، كما هو المبحوث عنه في مشتركات الكتاب والسنّة المعدودة من مسائل الفنّ ، الّتي موضوعها اللفظ باعتبار وصف الدليليّة ، أو إحراز ما يحرز به الدلالة ، كما هو المبحوث عنه في المبادئ اللغويّة الباحثة عن اللفظ لا باعتبار وصف الدليليّة ، وأيّاما كان فالمطلوب والبحث إنّما هو جهة الدلالة.
غاية الأمر أنّها في المشتركات تطلب بلا واسطة ، وفي غيرها مع الواسطة ، ومن هنا انحصر اصطلاحاتهم في سلسلة الألفاظ والمعاني في أقسام ثلاث :
أحدها : ما هو منعقد على الألفاظ باعتبار دلالاتها على المعاني ، كالمفرد والمركّب والحقيقة والمجاز والمشترك والمنقول والعامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد والمجمل والمبيّن والنصّ والظاهر والمؤوّل والمحكم والمتشابه ، إلى غير ذلك.
وثانيها : ما هو منعقد على المعاني باعتبار مدلوليّتها للألفاظ ، كالمنطوق والمفهوم بأقسامه ، على ما سنقرّره من كونهما وصفين للمدلول.
وثالثها : ما هو منعقد على الدلالة ، الّتي هي النسبة فيما بين الألفاظ والمعاني ، كالمطابقة والتضمّن والالتزام والاقتضاء والتنبيه والإيماء والإشارة ، ولم يعهد عنهم اصطلاح في الألفاظ المجرّدة عن المعاني ولا المعاني المجرّدة عن الألفاظ ، ولو فرض وجود نحو هذا الاصطلاح لم يكن له تعلّق بمباحث فنّهم ، فليكن اصطلاحهم في الكلّي والجزئي أيضا جاريا هذا المجرى.
ثمّ إنّ قضيّة كون الألفاظ إنّما تتّصف بالكلّية والجزئيّة تبعا لمعانيها المتّصفة بهما ، صدق قضيّة قولنا : « كلّما اتّصف اللفظ بالكلّية والجزئيّة باعتبار المعنى فلا بدّ