القطع أو الظنّ بحكم الكلّي الحاصل بوجدان غالب أفراده على ذلك الحكم ، بتأليف قياس على طريق الشكل الأوّل ، مشتمل على صغرى موضوعها الفرد المشكوك فيه المستقرأ له ، وكبرى موضوعها ذلك الكلّيّ الجامع بين ذلك الفرد وغيره من الأفراد الغالبة المستقرأ فيها ، ومحمولها الحكم المعلوم ثبوته في تلك الأفراد المقطوع أو المظنون ثبوته للكلّي ، فمعنى قولهم : « الظنّ يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب » إنّ الظنّ بحكم الكلّي الّذي هو في قوّة الكبرى الكلّيّة المظنونة ، يلحق الشيء الّذي هو الفرد المشكوك فيه المأخوذ موضوعا في صغرى القياس بالأعمّ الأغلب ، الّذي هو الغالب من أفراد ذلك الكلّي المعلوم حكمها. ومحصّله : أنّ الظنّ بحكم الفرد المشكوك ظنّ بالنتيجة ، وهو لا يتأتّى إلاّ بنظم قياس صغراه كون هذا الفرد ملزوما لهذا الكلّي ، وكبراه كون الكلّي ملزوما لهذا الحكم.
ومن البيّن أنّ الظنّ بحكم الكلّي المعتبر في كبرى هذا القياس الحاصل بملاحظة أفراده الغالبة ، لا يتأتّى مع العلم بوجود فرد له مخالف في الحكم لتلك الأفراد ، بل يستلزم ذلك العلم بعدم كون ذلك الحكم المعلوم للأفراد الغالبة حكم ذلك الكلّي من حيث إنّه ذلك الكلّي ، ومعه لا يحصل الظنّ بحكم الفرد المشكوك فيه ، لأنّ الشبهة في حكمه من أوّل الأمر إنّما نشأت عن الشبهة في حكم كلّيه الّتي لم ترتفع بعد ، بل ارتفعت بانكشاف عدم كون الحكم المشكوك في ثبوته للفرد من لوازمه.
ومن هنا يتبيّن أنّ إعمال القياس هنا لا ينافي تسمية العمل بالاستقراء ، فإنّ الاستقراء ـ في مصطلح المنطقيّين ـ وإن كان يطلق على ما يقابل القياس والتمثيل ، غير أنّه في لسان الاصوليّين على ما علم من طريقتهم وملاحظة موارد تمسّكهم به يطلق على ما ينحلّ إلى حجّتين :
إحداهما : الاستقراء بمصطلح المنطقي ، ليعلم أو يظنّ به كون الحكم المعلوم للأفراد الغالبة من لوازم الكلّي الجامع لتلك الأفراد ولغيرها ، جنسا أو نوعا أو صنفا.