العبد ، تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل ، مع ما فيه من إخراج الاموال وتعب الابدان والاشتغال عن الاهل والولد ، وحظر الانفس عن اللذات ، شاخصا في الحر والبرد ، ثابتا ذلك عليه دائما ، مع الخضوع والاستكانة والتذلل ، مع مافي ذلك لجميع الخلق من المنافع في شرق الارض وغربها ومن في البر والبحر ممن بحج وممن لا يحج من بين تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين ومكار وفقير ، وقضاء حوائج أهل الاطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الائمة عليهمالسلام إلى كل صقع وناحية كما قال الله عزوجل : « فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وليشهدوا منافع لهم » (١).
فان قال : فلم أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك؟ قيل : لان الله عزوجل وضع الفرائض على أدنى القوم قوة كما قال عزوجل « فما استيسر من الهدى » (٢) يعني شاة ليسع له القوي والضعيف ، وكذلك ساير الفرايض إنما وضعت على أدنى القوم قوة ، وكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ، ثم رغب بعد أهل القوة بقد ر طاقتهم.
فإن قال : فلم أمروا بالتمتع إلى الحج ، قيل : ذلك تخفيف من ربكم ورحمة لان يسلم الناس من إحرامهم ولا يطول ذلك عليهم ، فيدخل عليهم الفساد ولان يكون الحج والعمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة ولا تبطل ، ولان يكون الحج مفردا من العمرة ويكون بينهما فصل وتميز.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، ولو لا أنه صلىاللهعليهوآله كان ساق الهدي ولم يكن له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله لفعل كما أمر الناس ولذلك قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتهم ولكني سقت الهدي وليس لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فقام إليه رجل فقال :
__________________
(١) سورة التوبة ، الاية : ١٢٢.
(٢) سورة البقرة ، الاية : ١٩٦.