ذللا ، يهلون لله حوله ، ويرملون (١) على أقدامهم ، شعثا غبرا له ، قد نبذوا السرابيل (٢) وراء ظهورهم ، وشوهوا باعفاء الشعور محاسن خلقهم ، إبتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا وتمحيصا بليغا جعله الله تعالى سببا لرحمته ، ووصلة لى جنته ، و لو أراد الله سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام ، بين جنات وأنهار وسهل وقرار ، جم الاشجار ، داني الثمار ملتف البنى (٣) متصل القرى ، بين برة سمراء (٤) وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع ناضرة وطرق عامرة ، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء ، ولو كان الاساس المحمول عليها ، والاحجار المرفوع بهابين زمردة خضراء وياقوته حمراء ونور وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور ، ولو مجاهدة إبليس عن القلوب ولنفى معتلج (٥) الريب من الناس ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ، ويتعبدهم بألوان المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا للتكبر من قلوبهم ، و إسكانا للتذلل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبوابا فتحا (٦) إلى فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه (٧).
أقول : قد مر بتمامه مشروحا في كتاب النبوة.
٣٦ ـ دعائم الاسلام : روينا ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام أنه قال في قول الله : « وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل
__________________
(١) الرمل : بالتحريك ضرب من السير فوق المشى ودون الجرى وهو الهرولة.
(٢) السرابيل : الثياب واحدها سربال بكسر السين المهملة فسكون الراء.
(٣) ملتف البنى : كثير العمران.
(٤) البرة : الحنطة والسمراء أجودها.
(٥) الاعتلاج الالتطام ومنه اعتلجت الامواج اذا التطمت ، والمراد زال تلاطم الريب والشك من صدور الناس.
(٦) فتحا وذللا بضمتين ، والاولى بمعنى مفتوحة واسعة ، والثانية مذللة ميسرة.
(٧) نهج البلاغه ـ محمد عبده ج ٢ ص ١٧٠ ـ ١٧٣.