ذلك. فلما صار العبد إلى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى إليها وجد عليها مانعا يمنع منها (١) إلّا بشراء ، وليس يملك العبد ثمنها ، فانصرف إلى مولاه خائبا بغير (٢) قضاء حاجته ، فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه. أليس يجب في عدله وحكمته ألّا يعاقبه وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا ، ولم يملّكه ثمن حاجته؟ فإن عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته ، وإن لم يعاقبه كذّب نفسه (٣) في وعيده إياه حين أوعده [ب] الكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة ، تعالى الله (٤) عما يقولون علوا كبيرا.
فمن دان بالجبر أو بما يدعو إلى الجبر فقد ظلم الله ونسبه إلى الجور والعدوان ؛ إذ أوجب على من أجبر العقوبة ، ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب على قياس قوله أن الله يدفع عنهم العقوبة ، ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب فقد كذب الله في وعيده حيث يقول (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٥) ، وقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٦) ، وقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (٧) ، مع آي كثير في هذا الفن فيمن كذب وعيد الله ، ويلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر ، وهو ممن قال الله (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ) (٨).
__________________
(١) من «ح» والمصدر.
(٢) في «ح» : يوم.
(٣) من «ح» والمصدر.
(٤) ليست في «ح».
(٥) البقرة : ٨١.
(٦) النساء : ١٠.
(٧) النساء : ٥٦.
(٨) البقرة : ٨٥.