بل نقول : إن الله جلّ وعزّ يجازي العباد على أعمالهم ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملّكهم إياها ، فأمرهم ونهاهم ، بذلك نطق كتابه (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١) ، وقال جل ذكره (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (٢) ، وقال (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) (٣). فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان به. ومثلها في القرآن كثيرا اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب وبالله التوفيق.
وأمّا التفويض الذي أبطله الصادق عليهالسلام وأخطأ (٤) من دان به وتقلّده فهو قول القائل : إن الله جل ذكره فوّض إلى العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم. وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب (٥) إلى تحريره ودقته. وإلى هذا ذهبت الأئمّة المهتدية من عترة الرسول صلىاللهعليهوآله ؛ فإنهم قالوا : لو فوض إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا منه الثواب ، ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب إذا كان الإهمال واقعا.
وتنصرف هذه المقالة على معنيين : إما أن يكون العباد (٦) تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة ؛ كره ذلك أم أحبّ ، فقد لزم الوهن ، أو يكون جلّ وعزّ عجز عن (٧) تعبّدهم بالأمر والنهي على إرادته ؛ كرهوا أو أحبّوا ففوّض أمره إليهم وأجراهما على محبّتهم ؛ إذ عجز عن تعبدهم بإرادته ، فجعل الاختيار إليهم في الكفر والإيمان.
__________________
(١) الأنعام : ١٦٠.
(٢) آل عمران : ٣٠.
(٣) المؤمن : ١٧.
(٤) في هامش المصدر إشارة إلى أن في بعض نسخه : خطّأ ، وهو الأقرب. تحف العقول : ٤٦٣ / ه : ٣.
(٥) من «ح» والمصدر ، وفي «ق» : ذهب.
(٦) من «ح» والمصدر ، وفي «ق» : العقاب.
(٧) في «ح» : من ، بدل : عجز عن.