البين وإن كانوا عند الحاجة إليها يغمضون عنها العين ، ويتستّرون عن مخالفة اصطلاحهم بالأعذار الضعيفة والتعليلات السخيفة ممّا ذكر في هذه المسألة وغيره.
وإلّا فمتى قلنا بصحّة جملة أخبارنا المرويّة في اصولنا المعتبرة ودساتيرنا المشتهرة وأنها أدلّة صحيحة شرعيّة موجبة لثبوت الأحكام كما عليه جملة المتقدّمين (١) وشطر من متأخري متأخّري علمائنا الأعلام (٢) ، فلا مجال لهذا البحث بالكليّة ؛ إذ العامل إنما عمل على ذلك الخبر لكونه معتبرا معتمدا.
وهذا هو الأنسب بالقواعد الشرعيّة والضوابط المرعيّة ؛ فإن الاستحباب والكراهة كالوجوب والتحريم أحكام شرعيّة لا تثبت إلّا بالدليل الواضح والمنار اللائح ، ومتى كان الحديث الضعيف ليس بدليل شرعي كما يزعمونه فلا يثبت به استحباب ؛ لا (٣) في محلّ النزاع ، ولا غيره.
والتستّر هنا بأن ثبوت الاستحباب إنما حصل بانضمام هذه الأخبار كما ادّعوه ، فيه ـ زيادة على ما (٤) عرفت أيضا ـ أنه يؤدي إلى ثبوت الاستحباب بمجرّد رؤية أو سماع حديث يدلّ على ترتّب الثواب في ظهر كتاب أو ورقة ملقاة ، أو بخبر عامّي ؛ لصدق البلوغ بكل من هذه الامور كما دلّت عليه تلك الأخبار. والتزام ذلك لا يخلو من مجازفة في الأحكام ؛ ولهذا أن بعضهم تفطّن إلى ما ذكرنا ، فاشترط ثبوت أصل المشروعيّة احترازا عن البدع ، وهو تقييد للنص بغير دليل.
__________________
(١) الكافي ١ : ٨ ، الفقيه ١ : ٣ ، تهذيب الأحكام ١ : ٣.
(٢) الوجيزة في علم الدراية (ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين) : ٦ ، معالم الدين وملاذ المجتهدين / قسم الفقه ١ : ١٠٥.
(٣) من «ح».
(٤) من «ح» ، وفي «ق» : كما.