أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟ فقال : مه يا شيخ ، فإن الله قد عظم اجوركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي انصرافكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من اموركم مكرهين ولا إليه مضطرّين ، لعلّك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد ، ولما ألزمت الأشياء أهلها على الحقائق ، ذلك مقالة عبدة الأوثان وأولياء الشيطان. إن الله عزوجل أمر تخييرا ، ونهى تحذيرا ، ولم يطع مكرها ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ) (١). فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين عليهالسلام وأنشأ يقول :
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته |
|
يوم النجاة من الرحمن غفرانا |
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا |
|
جزاك ربّك عنا فيه رضوانا |
فليس معذرة في فعل فاحشة |
|
عندي لراكبها ظلما وعصيانا |
فقد دلّ قول أمير المؤمنين عليهالسلام على موافقة الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلّدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب ، ونعوذ بالله من الضلالة والكفر.
ولسنا ندين بجبر ولا تفويض لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين ، وهو الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملّكنا الله وتعبّدنا بهما على ما شهد به الكتاب ودان به الأئمّة الأبرار من آل الرسول ، صلوات الله عليهم.
ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا وملك مالا كثيرا أحب أن يختبر عبده على علم منه بما يؤول إليه ، فملّكه من ماله بعض ما أحب ، وأوقفه على امور عرّفها العبد فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ، ونهاه عن أشياء لم يحبّها ، وتقدم إليه أن يجتنبها
__________________
(١) ص : ٢٧.