نعم ، نقل الصدوق الخبر بهذه الكيفيّة ، ممّا يؤذن بكونه مذهبا له بناء على قاعدته الّتي ذكرها في صدر كتابه (١) ، إلّا إنّا قد تحرّينا مواضع عديدة من كتابه قد جمع فيها بين الأخبار المنافية التي لا يمكن جعلها جميعا مذهبا له ، ولم يذكر وجه الجمع فيها بما (٢) يوجب رجوع بعضها إلى بعض ، كما لا يخفى على من أمعن النظر في الكتاب المذكور.
ومنها معلّقة محمّد بن إسحاق بن عمّار قال : قلت له : رجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها ، تحلّ له امّها؟ قال : «وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها؟» (٣). وهذه الرواية أوضح ما يستدلّ به لهذا القول.
وكيف كان ، فالقول الفصل في هذا المقام أن يقال : إنّه لا ريب في صراحة الروايات المتقدّمة في الدلالة على القول المشهور ، ولا ريب في مطابقتها لظاهر (الكتاب) العزيز ، ولا سيّما مع ورود تفسيره بذلك عنهم عليهمالسلام كما دريت ، وقد استفاض عنهم عليهمالسلام عرض الأخبار عند التعارض عليه ، والأخذ بما وافقه وطرح ما خالفه (٤).
وهذه الأخبار الدالة على القول الآخر ـ ظاهرا أو احتمالا ـ مخالفة له ، فيجب طرحها بمقتضى القاعدة المذكورة ، ومع التحاشي عن طرحها بالمرّة ورميها بالكلّية ، فما كان منها قابلا للحمل على ما ترجع به إلى تلك الأخبار المتقدّمة يجب أن يصار إليه تفاديا من ذلك ، وما لا يكون قابلا لذلك يجب حمله على التقيّة التي هي الأصل في اختلاف الأخبار.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣.
(٢) من «ع».
(٣) تهذيب الأحكام ٧ : ٢٧٥ / ١١٧٠ ، الاستبصار ٣ : ١٥٨ / ٥٧٤ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٦٤ ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ب ٢٠ ، ح ٥.
(٤) وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٨ ـ ١٢٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٩ ، ٣٥ ، ٣٧.