أحدها : قوله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (١) ، أي في الوجود ، ولا يتصوّر ذلك إلّا بانعدام ما سواه ، وليس بعد القيامة ـ وفاقا ـ فيكون قبلها.
واجيب بأنه يجوز أن يكون المعنى هو مبدأ كلّ موجود وغاية كل مقصود ، أو المتوحّد في الالوهيّة أو صفات الكمال ، كما إذا قيل لك : هذا أوّل من زارك أم آخرهم؟ فتقول : هو الأول والآخر ، وتريد أنه لا زائر سواه.
وبالجملة ، فإنه ليس المراد أنه آخر كلّ شيء بحسب الزمان ؛ للاتفاق على أبديّة الجنّة ومن فيها.
وثانيها : قوله عزوجل (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلّا وَجْهَهُ) (٢) ، فإن المراد بالهلاك : الانعدام.
واجيب بأن المعنى أنه هالك في حدّ ذاته ؛ لكونه ممكنا لا يستحق الوجود إلّا بالنظر إلى العلّة ، أو المراد بالهلاك : الموت ، كما في قوله (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (٣). أو الخروج عن الانتفاع المقصود به اللائق بحاله ، كما يقال : هلك الطعام ، إذا لم يبق صالحا للأكل وإن صلح لمنفعة اخرى.
وثالثها : قوله عزوجل (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (٤) ، (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٥) ، والبدء من العدم ، فكذا العود. وأيضا إعادة الخلق بعد إبدائه لا يتصوّر بدون تخلل العدم.
وأجيب بأنا لا نسلّم أن المراد بإبداء الخلق : الإيجاد والإخراج عن العدم ، بل : الجمع والتركيب ، كما يشعر به قوله تعالى (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (٦) ، ولهذا يوصف بكونه مرئيا مشاهدا ، كقوله سبحانه (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ
__________________
(١) الحديد : ٣.
(٢) القصص : ٨٨.
(٣) النساء : ١٧٦.
(٤) الروم : ٢٧.
(٥) الأنبياء : ١٠٤.
(٦) السجدة : ٧.