وبالجملة ، فإن الادراك واللذة إنما [يقومان] (١) بالروح وإن كان بواسطة الآلات كما أشرنا إليه آنفا ، وإن تشخص الشخص إنما هو بتلك الأجزاء الأصلية ، ولذلك يقال للشخص من الصبا إلى الشيخوخة : إنه هو هو بعينه وإن تبدّلت الصورة والهيئات ، بل كثير من الأعضاء والآلات ، ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب : إنها عقوبة لغير الجاني ؛ باعتبار تبدّل الصورة والآلات والهيئات من الحالة الاولى إلى الحالة الأخيرة.
فعلى هذا يقال : إن المعاد في الآخرة هو الشخص الذي كان في الدنيا بعينه وشخصه ، وهذه العينيّة والشخصيّة ـ كما عرفت ـ راجعة إلى أجزاء الروح مع تلك الأجزاء الأصليّة. وعلى هذا تتلاءم الأخبار والآيات والدلائل الدالة على أن المعاد في الآخرة هو عين هذا الجسم ، كقوله سبحانه (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٢). والدالة على أنه مثله ، كقوله تعالى (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) (٣) ، إلى غير ذلك.
وبه تندفع جملة من الإشكالات الموردة في المقام ، ومنها أنه لو قلنا باستحالة إعادة المعدوم ، فإنه يبطل القول بالمعاد ، بمعنى جمع الأجزاء المتفرقة أيضا ؛ لأنّ أجزاء بدن الشخص كبدن زيد مثلا لا يكون بدن زيد إلّا بشرط اجتماع خاصّ وشكل معيّن ، فإذا تفرّقت أجزاؤه وانتفى الاجتماع والتشكل المعيّنان لم يبق بدن زيد ، ثمّ إذا اعيد ؛ فإمّا أن يعاد ذلك الاجتماع والتشكل بعينهما ، أو لا. وعلى الأوّل يلزم إعادة المعدوم ، وعلى الثاني لا يكون المعاد بعينه هو البدن الأوّل ، بل مثله ، وحينئذ يكون تناسخا. ومن ثمّ قيل : ما من مذهب إلّا وللتناسخ فيه قدم راسخ (٤).
__________________
(١) في النسختين : يقوم.
(٢) يس : ٧٩.
(٣) الواقعة : ٦٠ ـ ٦١.
(٤) بحار الأنوار ٧ : ٤٩.