قد طعن به كلّ من علماء الطرفين على الآخر ، بل ربّما انجرّ إلى القدح في الدين ، ولا سيّما من الخصوم المعاندين ، كما شنّع عليهم به الشيعة في انقسام مذهبهم ودينهم إلى المذاهب الأربعة ، بل شنّع به كلّ من أرباب المذاهب الأربعة على الآخر.
وأمّا ثانيا : فلأن ما ذكروه في وجوه الفرق بين الفرقتين ، وجعلوه مائزا بين الطائفتين ، جلّه ، بل كلّه ـ عند التأمل بعين الإنصاف ، وتجنّب جانب التعصّب والاعتساف ـ لا يوجب فرقا على التحقيق ، كما سنوضح لك ذلك في المقام بأوضح بيان تشتاقه الطباع السليمة والأفهام.
ولقد كان العصر الأول مملوءا من المحدّثين والمجتهدين ، مع أنه لم (١) يرتفع بينهم صيت هذا الاختلاف ، ولم يطعن منهم أحد على الآخر بالاتّصاف بهذه الأوصاف ، وإن ناقش بعضهم بعضا في جزئيات المسائل ، واختلفوا في تطبيق تلك الدلائل ، بل كما هو شأن العلماء من كلّ قبيل ، والأمر الدائر بينهم جيلا بعد جيل.
وحينئذ ، فالأولى ، والأليق بذوي التقوى ، والأحرى في هذا المقام والأقوى ، هو أن يقال : إن علماء الفرقة المحقّة ، وفضلاء الشريعة الحقة ـ رفع الله تعالى درجاتهم ، وألحقهم بساداتهم ـ سلفا وخلفا إنّما يجرون على مذهب أئمتهم المعصومين وطريقتهم التي أوضحوها لديهم ؛ فإنّ جلالة شأنهم وسطوع برهانهم وورعهم وتقواهم المشهور ، بل المتواتر على ممرّ الأيام والدهور ، يمنعهم من الخروج عن تلك الجادة القويمة والطريقة المستقيمة ، ولكن ربّما حاد بعضهم ـ أخباريا كان أو مجتهدا ـ عن الطريق ؛ غفلة أو توهّما أو لقصور اطلاع أو
__________________
(١) من «ح» ، وفي «ق» : لا.