والجواب أنه لا يخفى أن المجتهدين وإن عدّوا الإجماع في الأدلة الشرعيّة في كتب الاصول ، وربّما استسلفوه في الكتب الاستدلالية أيضا ، إلّا إنّ المحقّقين منهم في مقام التحقيق والبحث في المسائل بالفكر الدقيق ينازعون في تحقيق الإجماع المذكور غاية النزاع ، ويطعنون فيه ويمزّقونه تمزيقا لا يرجى له الاجتماع ، كما لا يخفى على من راجع كتبهم الاستدلالية ، ككتاب (المعتبر) (١) و (المسالك) (٢) و (المدارك) (٣) و (الذكرى) (٤) و (الذخيرة) (٥) للفاضل الخراساني ، وغيرها. وهذا بحمد الله تعالى ظاهر لمن تتبع الكتب المذكورة.
وحينئذ فليس مسألة الاحتجاج بالإجماع وجعله دليلا شرعيا إلّا من جملة المسائل الخلافية بين العلماء ، مجتهدا كان أو أخباريّا ، فلا يصلح لأن يكون فرقا في المقام.
وأمّا دليل العقل الذي هو عبارة عن البراءة الأصليّة والاستصحاب ، فالخلاف في حجيّته بين المجتهدين موجود في غير موضع ، والمحققون منهم على منعه.
وقد فصّل المحقّق في أوّل كتاب (المعتبر) (٦) ، والمحقّق الشيخ حسن في كتاب (المعالم) (٧) ـ وغيرهما في غيرهما ـ الكلام في البراءة الأصلية والاستصحاب على وجه يدفع تمسك الخصم به في هذا الباب. وبعض ـ كالسيد السند في (المدارك) ـ جوّز العمل بالبراءة الأصلية (٨) ، ومنع العمل على الاستصحاب. وسيأتيك ما فيه تأييد الكلام في المقام.
وحينئذ ، فهذه المسألة أيضا من جملة المسائل الخلافية بين العلماء ، فلا
__________________
(١) المعتبر ١ : ٣١.
(٢) مسالك الأفهام ٦ : ٢٩٩.
(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٧٥.
(٤) ذكرى الشيعة ١ : ٤٩ ـ ٥٢.
(٥) ذخيرة المعاد : ٥٠.
(٦) المعتبر ١ : ٣١ ـ ٣٢.
(٧) معالم الاصول : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.
(٨) مدارك الأحكام ١ : ٤٣.