وكان الأنسب بمثله حملهم على محامل السداد والرشاد إن لم يجد ما يدفع به عن كلامهم الفساد ، فإنّهم ـ رضوان الله عليهم ـ لم يألوا جهدا في إقامة الدين وإحياء شريعة سيّد المرسلين ، ولا سيّما آية الله العلّامة الذي قد أكثر من الطعن عليه والملامة (١) ، فإنه بما ألزم به علماء الخصوم والمخالفين من الحجج القاطعة والبراهين ـ حتى آمن بسببه الجمّ الغفير ، ودخلوا في هذا الدين الكبير والصغير ، والشريف والحقير ، وصنّف من الكتب المشتملة على غوامض العلوم والتحقيقات ، حتى إنّ من تأخر عنه لم يلتقط إلّا من درر نثاره ، ولم يغترف إلّا من زواخر بحاره ـ قد صار له من اليد العليا عليه وعلى غيره من علماء الفرقة الناجية ما يستحق به الثناء الجميل ، ومزيد التعظيم والتبجيل ، لا الذم والنسبة إلى تخريب الدين ، كما اجترأ به قلمه عليه وعلى غيره من المجتهدين.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ ما ذكره شيخنا الصالح المتقدّم ذكره من الفروق ، وأطال به من الشقوق ، كثير منه بل أكثره تطويل بغير طائل ، وترديد لا يرجع إلى حاصل. ونحن نذكر هنا ما هو المعتمد عندهم والأقوى ، بما صرّح به هو (٢) وغيره في دليل تلك الدعوى ، وهو وجوه :
أحدها : أنّ أدلة الأحكام الشرعيّة عند المجتهدين أربعة : (الكتاب) ، والسنّة ، والإجماع ، ودليل العقل. وأمّا عند الأخباريّين فليس إلّا (الكتاب) والسنّة ، بل اقتصر بعضهم (٣) على السنّة ، بناء على أن (الكتاب) لا يجوز تفسيره والعمل بما فيه إلّا بما ورد التفسير عن أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ وهذا الوجه من أقوى وجوه الفروق عندهم.
__________________
(١) الفوائد المدنية : ٦٣ ، ١٥٨ ـ ١٥٩.
(٢) منية الممارسين : ٩٠ ـ ١١٢ ، وبخصوص الوجه الأول ، انظر : هداية الأبرار : ٢٥٨.
(٣) منية الممارسين : ٨٩.