الأفلاك إلى آخر الزمان كانت الوصية الصادرة من عيسى إلى شمعون عليهماالسلام من عند خروجه بقالبه الصوري إلى السماء ، وسؤاله من ربّه أن يحيي له يحيى بعد وصية شمعون عليهالسلام (١) إليه ، وشهادته على يد الأشقياء. ولا محذور في ذلك ، بل لو لا ذلك لوقع التنافي في الحديث الثاني بعضه ببعض ، كما يظهر لك أخيرا.
إن قيل : هذا الكلام يخالف الظاهر في الحديث الثاني : أن عيسى بن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريا ؛ لأنّ الظاهر من ذلك أن وقوع ذلك يوم إذ كان عيسى عليهالسلام في العالم العنصري قبل عروجه للعالم الفلكي.
فالجواب أنّ عروجه إلى العالم الفلكي غير مانع من ذلك ، فإن المفهوم من الروايات أنه يزور قبور الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام (٢) ، ولا استحالة في ذلك ؛ إذ مجيئه عليهالسلام لقبور شركائه في النبوة والولاية أقرب مدركا من الحكم بمجيء الأرواح المفارقة لأجسامها في هذه النشأة ، مع ثبوت ذلك بالروايات الصحيحة الصريحة على الظاهر من الحديث أن المجيء إلى القبر مجيء روحاني أو مثاليّ لا صوري.
وكذا إجابة يحيى عليهالسلام وخروجه من القبر إليه ؛ إذ لو كان ذلك محمولا على هذه النشأة العنصرية والحياة الفانية لم يكن لاستعفاء يحيى عليهالسلام من العود المتعلّق بالقالب الصوري وجه يركن إليه ، ولم يكن لتعليقه عدم قبوله إلى التعلّق الجسماني بالخوف من حرارة الموت محلّ يعتمد عليه ؛ لأنّ حمله على ظاهره يستدعي وقوع التعلّق الجسماني وحصول المغايرة التي كانت موجودة قبل الموت ، فكيف يتحقّق الاستعفاء ممّا وقع؟ أم كيف يعلّل طلب الاستعفاء بالخوف من لحوق حرارة الموت الذي لا بدّ من وقوعه على تقدير عوده إلى حالته التي
__________________
(١) من عند خروجه .. شمعون ، سقط في «ح».
(٢) كامل الزيارات : ٣٣٤ / ٥٥٨.