من الخلفاء والأئمّة في الدين عندهم.
ويعضد هذا الخبر ما اتفق عليه أهل السير من مضي معاوية وبني أمية على سب علي عليهالسلام على المنابر ثمانين [سنة] (١) إلى أن قطعه عمر بن عبد العزيز (٢) ، فانظر في هذه الامور التي يضيق لها متسع الصدور.
ومنها ما كشف عن أحوال أهل السنّة يومئذ من العلماء القضاة والخطباء وأصحاب النسك والورع والولاة ، فضلا عن الرعاة ، من أنّهم باعوا إيمانهم على معاوية بأبخس الأثمان بما سارعوا إليه من إحداث الزور والبهتان ، مع قرب العهد ومعرفتهم بما عليه أهل البيت من الفضائل التي دوّنها متأخرو علمائهم في شأن أهل البيت ، كلّ ذلك في طمع حب الدنيا الدنية. فهذه أحوال السلف منهم الذين قد اتفق من تأخّر عنهم على أخذ الدين عنهم ، ومنعوا من الطعن فيهم والذم لهم ، وجعلوا أقوالهم وأفعالهم حججا شرعية يتعبدون بها ، ويقابلون الله تعالى بها ، نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وقبائح أعمالنا.
ومنها أنه إذا كانت هذه الأخبار الموضوعة في حق الخلفاء الثلاثة والصحابة قد بلغت هذا المبلغ في الكثرة وشاعت هذا الشياع ، حتى انتقلت إلى الديانين الذين لا يستحلّون الكذب ، فتديّنوا بها وصنّفوها في كتبهم وضبطوها واعتنوا بها وصححوها ، واستمرت على هذا الحال الأعصار خلفا بعد سلف في جملة الأمصار ، فلو أن خصماءهم قالوا لهم : إنّه ليس لأولئك الخلفاء والأصحاب شيء من الفضائل والممادح ، وكلّ ما تروونه فإنّما هو من هذا البحر الاجاج المالح ، فأنّى لهم بالجواب؟
ولو ادعوا أن تزوير بني أميّة أخبارا في فضائل الخلفاء والصحابة لا يقتضي ألّا يكون لهم فضائل سواها.
__________________
(١) في النسختين : شهرا.
(٢) تاريخ الخميس ٢ : ٣١٧.