وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، والحكم عندهم في موضوع الشبهة وجوب الاحتياط. فليس الفرق بينه وبين من قال بالتحريم ـ ممّن قدّمنا ذكره ـ إلّا من حيث المستند ، وإلّا فالجميع متّفقون على التحريم في المسألة. والعجب من شيخنا المحدّث الصالح المشار إليه مع تبحره في الأخبار لم يطّلع على حديث (العلل) ، كما يدلّ عليه كلامه في الكتاب المتقدّم ذكره ، ولعلّه لذلك حصل له التوقف.
ثم أقول : والقول بالتحريم أيضا ظاهر شيخنا الصدوق ـ عطّر الله مرقده ـ في كتاب (العلل) وها أنا اوضّح لك المقام بما ترتاحه الأفهام (١) ، ولا يخفى على المنصف من الأنام ؛ وذلك فإنّه لا ريب في أن إيراد الصدوق للخبر المذكور إنّما هو من حيث اشتماله على تعليل عدم الحليّة في الخبر بالمشقة ، فإن كتابه موضوع لبيان العلل الواردة في الأخبار كما ينبئ عنه اسمه.
ولا يخفى على العارف بطريقة الصدوق قدسسره في جملة كتبه ومصنّفاته أنه لا يذكر من الأخبار إلّا ما يعتمده ويحكم بصحّته متنا وسندا ويفتي به ، وإذا أورد خبرا بخلاف ذلك ذيّله بما يشعر بالطعن في سنده أو دلالته ونبّه على عدم قوله بمضمونه ، هذه طريقته المألوفة وسجيّته المعروفة. وهذا المعنى وإن كان لم يصرّح به إلّا في صدر كتابه (من لا يحضره الفقيه) (٢) إلّا إن المتتبّع لكلامه في كتبه ، والواقف على طريقته ، لا يخفى عليه صحّة ما ذكرناه.
وحيث إن هذا الكلام ممّا يكبر في صدور بعض الناظرين القاصرين ، فيقابله بالإنكار والصدّ والاستكبار ؛ لقصور تتبّعه في ذلك المضمار ، فلا بأس لو أرخينا زمام القلم في الجري في هذا الميدان ، وأملينا له في الجري ساعة من الزمان وإن
__________________
(١) في «ح» : توجه بالأفهام.
(٢) الفقيه ١ : ٣.