وأمّا قوله : (وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال) فهو كلام شعري ، وإلزام جدلي لا يصحّ النظر إليه ، ولا التعريج في مقام التحقيق عليه ، وإلّا لانسدّ بذلك باب الاستدلال ، واتّسعت دائرة الخصام والجدال ؛ إذ لا قول إلّا وللخصم فيه مقال ، ولا دليل إلّا وللمنازع فيه مجال ؛ فإن مجازات الألفاظ لا تعدّ ولا تحصى وإن تفاوتت قربا وبعدا وظهورا وخفاء ، وللزم بذلك انسداد باب إثبات التوحيد والنبوّة والإمامة ، وقامت الحجّة للمخالفين في هذه الاصول بما يبدونه من الاحتمالات في أدلّة المثبتين ، بل الحقّ الحقيق بالقبول كما صرّح به محقّقو الاصول من أن المدار في الاستدلال على النصّ أو الظاهر (١) ، ولا يلتفت إلى الاحتمال في مقابلة شيء منهما.
وأمّا حديث المشقّة واستلزامها الأذى كما ندّعيه ، فإنّه لا يخفى أن المشقّة لغة إنّما هي بمعنى : الثقل والشدّة والتعب ، فيقال : أمر شاق ، أي ثقيل شديد متعب صعب.
قال في كتاب (القاموس) : (شق عليه الأمر شقا : صعب) (٢).
وقال ابن الأثير في كتاب (النهاية) : (وفيه : «لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة» أي لو لا أن أثقل عليهم. من المشقّة ، وهي الشدّة) (٣).
وقال المفسّرون في قوله سبحانه (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) (٤) : (أي لا أحمّلك من الأمر ما يشتدّ عليك) (٥).
وقال الهروي في كتاب (الغريبين) : (قوله تعالى (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلّا بِشِقِّ
__________________
(١) انظر معارج الاصول : ١٨١.
(٢) القاموس المحيط ٣ : ٣٦٤ ـ شقّة.
(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ : ٤٩١ ـ شقق.
(٤) القصص : ٢٧.
(٥) ذكره في مجمع البحرين ٥ : ١٩٣ ـ شقق.