منها في مسألة ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصيّة ، حيث قال ـ ونعم ما قال بعد الطعن في الإجماع ـ ما هذه صورته : (وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخّر لغيره من المتقدّمين في كثير من المسائل التي ادّعوا فيها الإجماع ، إذا قام الدليل على ما يقتضي خلافهم. وقد اتّفق ذلك لهم كثيرا ، ولكن زلّة المتقدّم [مسامحة] (١) بين الناس دون المتأخّر) (٢) انتهى كلامه زيد مقامه.
وحينئذ ، فإذا جاز مخالفتهم في المسائل التي ادّعوا فيها الإجماع حتى قام الدليل على خلافه ، مع أن الإجماع عندهم أحد الأدلّة الشرعيّة ، فكيف لا يجوز القول بما لم يصرّحوا به نفيا ولا إثباتا إذا قام الدليل عليه؟
ومجرّد رؤيتهم الدليل وروايتهم له في كتب الأخبار مع عدم ذكر حكمه في كتب الفروع الاستدلاليّة ، لا يدلّ على ردّ (٣) الخبر وضعفه ، مع عدم تصريحهم بالردّ والتضعيف. وكم خبر رووه ولم يتعرّضوا لذكر معناه في الكتب الفروعيّة ، وهل هذا الكلام إلّا مجرّد تمويه على ضعيفي العقول ، ومن ليس له رويّة في معقول أو منقول؟
على أنه لا يشترط عندنا في الفتوى في الأحكام تقدّم قائل بها ، كما صرّح به جملة من محقّقي أصحابنا وإن ادّعاه [شذّاذ] (٤) منهم (٥).
نعم اشترطوا عدم مخالفة الإجماع على ما عرفت فيه (٦) من النزاع ، وكيف ، ولو تمّ هذا الشرط لما اتّسعت دائرة الخلاف وتعدّدت الأقوال في الأحكام الشرعيّة على ما هي عليه الآن ، حتّى إنّك لا تجد حكما من الأحكام غالبا إلّا وتعدّدت فيه أقوالهم إلى خمسة أو ستة أو أزيد أو أنقص ، وكلّها تتجدّد بتجدّد العلماء؟
__________________
(١) من المصدر ، وفي النسختين : متسامحة.
(٢) مسالك الأفهام ٦ : ٢٩٩.
(٣) يدل على رد ، من «ح» ، وفي «ق» : يرد.
(٤) في النسختين : شذوذ.
(٥) منية الممارسين : ١٠٧.
(٦) في «ح» : به.