وقد نقل بعض مشايخنا انحصار الفتوى في زمن الشيخ قدسسره فيه ، وكذا ما بعد زمانه ، ولم يبق إلّا حاك عنه وناقل ، حتّى انتهت النوبة إلى ابن إدريس ، ففتح باب الطعن على الشيخ والمخالفة له ، ثم اتّسع الباب وانتشر الخلاف إلى ما ترى. فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف استجاز هذا القائل المنع من الفتوى بشيء لم يتعرّض له الأصحاب نفيا ولا إثباتا إذا قام الدليل الشرعي عليه.
هذا ، وممّن جرى على هذا المنوال ـ الذي يستبعده من قصر حظّه عن العروج إلى معارج الاستدلال ـ جملة من علمائنا الأبدال منهم المحدّث المحسن الكاشاني قدسسره ، فإنّه صرّح في (المفاتيح) (١) بتحريم كتابة (القرآن) على المحدث ؛ لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام أنه سأله عن الرجل أيحلّ له أن يكتب (القرآن) في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال : «لا» (٢). مع اعترافه قدسسره بأنه لم يجد به قائلا.
وهذه الرواية نظير ما نحن فيه من التعبير بلفظ «لا يحل» ، وهي بمنظر ومرأى من العلماء قبله ، مع أنه لم يذهب إلى القول بها أحد لا على جهة التحريم ولا الكراهة ، ولم نر ما ذكره هذا القائل مانعا لمن قال بالتحريم عملا بها ، ولا موجبا للطعن والردّ عليه عند أحد ممّن تأخّر عنه ، بل ربما يتّبعونه في ذلك.
وهذا المحدّث الأمين الأسترآبادي صاحب (الفوائد المدنية) في حواشيه على كتاب (المدارك) ـ على ما رأيته بخطّه ـ حيث صرّح بعدم العفو عن نجاسة دم الغير وإن كان أقل من درهم ، إلحاقا له بدم الحيض ؛ لمرفوعة البرقي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «دمك أنظف من دم غيرك إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا
__________________
(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٣٨ / المفتاح : ٤٠.
(٢) تهذيب الأحكام ١ : ١٢٧ / ٣٤٥ ، وسائل الشيعة ١ : ٣٨٤ ، أبواب الوضوء ، ب ١٢ ، ح ٤.