والمراد من ذلك أنهم لو تركوها أحيانا حسب الترخيص فلا ينبغي لهم الإهمال بالكليّة على وجه يؤذن بالتهاون وقلّة المبالاة والاستخفاف بالوظائف الدينيّة. والغرض من ذلك تأديب شيعتهم وهدايتهم إلى ما فيه مصالحهم دينا ودنيا ، وأن تأكيدهم في ذلك ؛ لأنه يدخل عليهم مشقّة في ترك السنن والمستحبّات ، ألا ترى أنه ورد أيضا : ملعون من بات وحده في بيت ، وملعون من سافر وحده ، وملعون من أكل زاده وحده (١) ، مع أن هذه الأشياء امور مباحة لا يترتّب على فعلها ولا تركها إثم ولا ثواب ، ولا يدخل عليهم مشقّة بسببها؟ وليس الغرض منها إلّا تأديب الشيعة وتعليمهم وتكميلهم.
وبالجملة ، فما ذكره من هذا الكلام ناقص العيار ، ساقط عن درجة الاعتبار كما لا يخفى على ثاقبي الأفهام والأنظار.
الخامس : قوله : (ففي الاكتفاء في مقام التعليل) ـ إلى آخره ـ فإنّه مبنيّ على ذلك الأساس الذي قد آل بما ذكرناه إلى الانطماس والاندراس ، وكان الواجب عليه بيان [أن] دلالة لفظ (المشقّة) على الكراهة دلالة ظاهرة توجب صرف لفظة «لا يحلّ» عن ظاهرها ؛ ليتمّ له ما ادّعاه ويبني عليه ما بناه. وهو إنّما ادّعى ـ مع الإغماض عن كونها دعوى عارية عن الدليل أيضا ـ كون نوع إشعار في التعليل (٢) ، وقد عرفت ما في (٣) هذه العبارة من ضعف الدلالة ، فإن قولهم : (نوع إشعار) يعني : إشعار ما. وما في هذا الموضع للتقليل كما صرّحوا به ، أي إشعار قليل.
__________________
(١) انظر : مكارم الأخلاق ٢ : ٣٢٤ / ٢٦٥٦ ، بحار الأنوار ٧١ : ٢١ / ٣ ، ٧٤ : ٥١ / ٣.
(٢) في «ح» : في التعليل نوع إشعار ، بدل : نوع إشعار في التعليل.
(٣) في النسختين بعدها : دلالة.