ثم إن قوله : (إن العلة مشتركة) ـ يعني : بين التحريم والكراهة (١) ، فلا يصلح لأن تكون قرينة صارفة للفظ «لا يحلّ» عن حقيقته التي هي التحريم كما عرفت ؛ لأن القرينة التي توجب صرف اللفظ عن حقيقته يجب (٢) أن تكون صريحة أو ظاهرة فيما يوجب صرف ذلك اللفظ ، فيكون الواجب حينئذ هو إبقاء «لا يحلّ» على معناه الحقيقي وهو التحريم ؛ لعدم مخرج له عنه ، ويجب حمل هذا المشترك ـ كما زعمه ـ على الحرمة ، التي هي أحد معنييه ـ بزعمه ـ لينطبق التعليل على المعلّل.
وأيضا فإنّه بمقتضى ما ادّعاه هنا من اشتراك المشقّة بين التحريم والكراهة ، وما ذكره سابقا من أن دلالته على الكراهة إنّما هو بنوع إشعار ، يلزمه أن يكون المعنى الآخر الذي هو التحريم هو المعنى الظاهر من لفظ المشقّة. ولا ريب أن الواجب حينئذ في مقام الاستدلال ـ كما لا يخفى على من خاض تيار ذلك البحر الزلال ـ هو الحمل على المعنى الظاهر دون الضعيف البعيد القاصر. وبذلك يظهر لك ما في (٣) بقية الكلام من القصور الظاهر ، كالنور على الطور لكلّ ناظر ؛ لابتنائه على ذلك الأصل المتزعزع الأركان ، فبتزعزعه ينهدم ما عليه من البنيان ، كما هو بحمد الله سبحانه ظاهر لثاقبي الأفكار والأذهان.
السادس : قوله : (فبمجرّد ورود مثل هذا الخبر) ـ إلى آخره ـ فإنّه من ذلك القبيل الذي ليس فيه إلّا مجرّد التطويل ، مع خلوّه عن الحجيّة والدليل ؛ فإن دعواه الكراهة من الخبر الذي هو الأساس لهذا الكلام والتطويل في المقام يحتاج إلى الإثبات بالدليل الصريح والبيان الفصيح ؛ ليصحّ له أن يرتّب عليه أمثال هذه الدعاوى ، وإلّا فمن يعجز عن الدعوى بمجرّد اللسان من غير حجّة ولا برهان؟
__________________
(١) في «ح» بعدها : ظاهر في الردّ عليه ؛ لأنه متى كانت العلة ـ وهي : المشقة ـ مشتركة بين التحريم والكراهة.
(٢) من «ح» ، وفي «ق» : فيجب.
(٣) من «ح».